وأربعمائة، ولم يزل قاضيا بها إلى أن عزله رضوان لما خطب للمصريين، وولى القضاء القاضي الزوزني العجمي في شوال من سنة تسعين وأربعمائة، ثم عاود الملك رضوان الخطبة لبني العباس فأعاد القاضي أبا غانم إلى ولايته، وجاءه التقليد من بغداد بالقضاء والحسبة عن القاضي علي بن الدامغاني بأمر المستظهر في صفر سنة ست وتسعين وأربعمائة، وكان مولد القاضي أبي غانم في رجب سنة ست وأربعين وأربعمائة، وهو الذي شرع في عمارة المسجد الذي بحلب يعرف ببني العديم، وأتمه ابنه القاضي أبو الفضل هبة الله، وكان يتولى الخطابة في المسجد الجامع والامامة بحلب، وكان حنفيّ المذهب، وكان يؤمّ بالناس ثلاثين سنة وهو متكتف تحت ثيابه ويسبل أكمامه فارغة خوفا من الولاة في أيامه لأنهم كانوا إسماعيليين يرون رأي المصريين، وكانوا يفطرون قبل العيد بيوم ويجتمع أكابر حلب في يوم عيدهم يهنئونهم، فصعد القاضي أبو غانم للهناء في من صعد، وقدم للناس سكرا ولوزا، وأخذ القاضي أبو غانم لوزة ووضعها في فيه فقال له صاحب حلب: أيها القاضي لم لا تأكل من السكر؟ فقال: لأنه يذوب، وتبسم، فضحك الوالي وأعفاه من ذلك.
حدثني كمال الدين قال: حدثني عمي حدثني أبي قال: نزل جدّك القاضي أبو غانم في بعض الأيام يصلي بالجامع، وخلع نعليه قرب المنبر وكانا جديدين، فلما قضى صلاته قام للبسهما فوجد نعليه العتق مكانهما، فقال لغلامه: ألم أنزل إلى الجامع بالمداس الجديد فأين هو؟ فقال الغلام: بلى ولكن جاءنا الساعة رجل وطرق الباب وقال: القاضي يقول لكم أنفذوا إليه مداسه العتيق إلى الجامع فقد سرق مداسه الجديد، فضحك وقال: هذا والله لص شفيق جزاه الله خيرا وهو في حل منه.
والقاضي أبو غانم هذا هو الذي نهض من حلب في سنة ثمان عشرة وخمسمائة وقد حصرها الفرنج ودبيس بعد قتل بلك «١» على منبج حتى أقدم البرسقي من الموصل فاستنقذها من الحصار، وهربوا لما سمعوا بقدومه، وكان أهل حلب لقوا شدة وأكلوا الميتة ولم يكن عندهم أمير وإنما تولوا حفظ البلد بأنفسهم وأبلوا بلاء حسنا حسنت به العاقبة.