قلبي ببيعها، وكتب لي أيضا جزءا فيه ثلاث عشرة قائمة نقلها من خط ابن البواب فأعطيت فيها أربعين درهما ناصرية قيمتها أربعة دنانير ذهبا فلم أفعل، وانا أعرف أن ابن البواب لم يكن خطه في أيامه بهذا النفاق، ولا بلغ هذا المقدار من الثمن وقد ذكرت ما يدل على ذلك في ترجمة ابن البواب.
فممن كتب إليه يسترفده شيئا من خطه سعد الدين منوجهر الموصلي، ولقد سمعته مرارا يزعم أنه أكتب من ابن البواب، ويدعي أنه لا يقوم له أحد في الكتابة ويقرّ لهذا كمال الدين بالكمال، فوجه إليه على لسان القاضي أبي علي القيلوي، وهو المشهور بصحبة السلطان الأشرف، يسأله سؤاله في شيء من خطّه ولو قائمة أو وجهة، وكان اعتماده على أن ينقل له الوجهة المقدم ذكرها.
وممن كتب إليه يسترفده خطّه أمين الدين ياقوت المعروف بالعالم، وهو صهر أمين الدين ياقوت الكاتب الذي يضرب به المثل في جودة الخط وتخرّج به ألوف وتتلمذ له من لا يحصى- كتب إلى كمال الدين رقعة، وحموه حيّ يرزق، نسختها:
الذي حضّ الخادم على عمل هذه الأبيات، وإن لم يكن من أرباب الصناعات، أن الصدر الكبير الفاضل عز الدين- حرس الله مجده- لما وصل إلى الموصل- خلّد الله ملك مالكها- نشر من فضائل المجلس العالي العالمي الفاضلي كمال الدين- كمل الله سعادته، كما كمل سيادته، وبلغه في الدارين مناه وإرادته- ما يعجز البليغ عن فهمه فضلا عن أن يورده، لكن فضائل المجلس كانت تملي على لسانه وتشغله، فطرب الخادم من استنشاق رياها، واشتاق إلى رؤية حاويها عند اجتلاء محياها، فسمح عند ذلك الخاطر مع تبلده، بأبيات تخبر المجلس بمحبة الخادم له وتعبده، وهي:
حيا نداك كمال الدين أحيانا ... ونشر فضلك عن محياك حيّانا
وحسن أخلاقك اللائي خصصت بها ... أهدت إلى البعد لي روحا وريحانا
حويت يا عمر المحمود سيرته ... خلقا وخلقا وإفضالا وإحسانا
إن كان نجل هلال في صناعته ... ونجل مقلة عينا الدهر قد كانا
فأنت مولاي إنسان الزمان وقد ... غدوت في الخطّ للعينين إنسانا
قد بثّ فضلك عزّ الدين مقتصدا ... ونثّ شكرك إسرارا وإعلانا