وأنشدني كمال الدين أدام الله علاءه لنفسه في الغزل فاعتمد فيه معنى غريبا:
وأهيف معسول المراشف خلته ... وفي وجنتيه للمدامة عاصر
يسيل إلى فيه اللذيذ مدامه ... رحيقا وقد مرّت عليه الأعاصر
فيسكر منه عند ذاك قوامه ... فيهتزّ تيها والعيون فواتر
كأنّ أمير النوم يهوى جفونه ... إذا همّ رفعا خالفته المحاجر
خلوت به من بعد ما نام أهله ... وقد غارت الجوزاء والليل ساتر
فوسّدته كفّي وبات معانقي ... إلى أن بدا ضوء من الصبح سافر
فقام يجرّ البرد منه على تقى ... وقمت ولم تحلل لإثم مآزر
كذلك أحلى الحبّ ما كان فرجه ... عفيفا ووصل لم تشنه الجرائر
وأنشدني لنفسه بمنزله بحلب في ذي الحجة سنة تسع عشرة وستمائة وإملائه:
وساحرة الأجفان معسولة اللمى ... مراشفها تهدي الشفاء من الظما
حنت لي قوسي حاجبيها وفوّقت ... إلى كبدي من مقلة العين أسهما
فوا عجبا من ريقها وهو طاهر ... حلال وقد أضحى عليّ محرّما
فإن كان خمرا أين للخمر لونه ... ولذته مع أنني لم أذقهما
لها منزل في ربع قلبي محلّه ... مصون به مذ أوطنته لها حمى
جرى حبها مجرى حياتي فخالطت ... محبتها روحي ولحمي والدما
تقول إلى كم ترتضي العيش أنكدا ... وتقنع أن تضحي صحيحا مسلّما
فسر في بلاد الله واطّلب الغنى ... تفز منجدا إن شئت أو شئت متهما
فقلت لها إن الذي خلق الورى ... تكفّل لي بالرزق منّا وأنعما
وما ضرني أن كنت ربّ فضائل ... وعلم عزيز النفس حرا معظما
إذا عدمت كفّاي مالا وثروة ... وقد صنت نفسي أن أذل وأحرما
«ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما»
لا يظن الناظر في هذه الأبيات أن قائلها فقير وقير، فإن الأمر بعكس ذلك،