لأنه- والله يحوطه- ربّ ضياع واسعة وأملاك جمة ونعمة كثيرة وعبيد كثيرة وإماء وخيل ودواب وملابس فاخرة وثياب، ومن ذلك أنه بعد موت أبيه اشترى دارا كانت لأجداده قديما بثلاثين ألف درهم، ولكن نفسه واسعة وهمته عالية والرغبات في الدنيا بالنسبة إلى الراغبين والشهوة لها على قدر الطالبين.
وأنشدني لنفسه بمنزله في التاريخ:
احذر من ابن العمّ فهو مصحّف ... ومن القريب فإنما هو أحرف
القاف من قبر غدا لك حافرا ... والراء منه ردى لنفسك يخطف
والياء ياس دائم من خيره ... والباء بغض منه لا يتكيف
فاقبل نصيحتي التي أهديتها ... إني بأبناء العمومة أعرف
وأنشدني أيضا لنفسه بمنزله سالكا طريق أهله في الافتخار:
سألزم نفسي الصفح عن كلّ ما جنى ... عليّ وأعفو حسبة وتكرما
وأجعل مالي دون عرضي وقاية ... ولو لم يغادر ذاك عندي درهما
وأسلك آثار الألى اكتسبوا العلا ... وحازوا خلال الخير ممن تقدما
أولئك قومي المنعمون ذوو النهى ... بنو عامر فاسأل بهم كي تعلّما
إذا ما دعوا عند النوائب إن دجت ... أناروا بكشف الخطب ما كان أظلما
وإن جلسوا في مجلس الحكم خلتهم ... بدور ظلام والخلائق أنجما
وإن هم ترقّوا منبرا لخطابة ... فأفصح من يوما بوعظ تكلما
وان أخذوا أقلامهم لكتابة ... فأحسن من وشّى الطروس ونمنما
بأقوالهم قد أوضح الدين «١» واغتدى ... بأحكامهم علم الشريعة محكما
دعاؤهم يجلو الشدائد إن عرت ... وينزل قطر الماء من أفق السما
وقائلة يا ابن العديم إلى متى ... تجود بما تحوي ستصبح معدما
فقلت لها عني إليك فإنني ... رأيت خيار الناس من كان منعما
أبى اللؤم لي أصل كريم وأسرة ... عقيلية سنّوا الندى والتكرما
وأنشدني لنفسه وقد رأى في عارضه شعرة بيضاء وعمره إحدى وثلاثون سنة: