الخلاء، وإسماعيل بن إسحاق القاضي فإني ما دخلت إليه إلا رأيته ينظر في كتاب أو يقلّب كتبا أو ينفضها.
وقال المرزباني، قال أبو بكر أحمد بن عليّ: كان أبو عثمان الجاحظ من أصحاب النظام «١» وكان واسع العلم بالكلام كثير التبحّر فيه شديد الضبط لحدوده ومن أعلم الناس به وبغيره من علوم الدين والدنيا، وله كتب كثيرة مشهورة جليلة في نصرة الدين وفي حكاية مذهب المخالفين، والآداب والأخلاق، وفي ضروب من الجد والهزل، وقد تداولها الناس وقرأوها وعرفوا فضلها، وإذا تدبّر العاقل المميز أمر كتبه علم أنه ليس في تلقيح العقول وشحذ الأذهان ومعرفة أصول الكلام وجواهره وايصال خلاف الاسلام ومذاهب الاعتزال إلى القلوب كتب تشبهها. والجاحظ عظيم القدر في المعتزلة وغير المعتزلة من العلماء الذين يعرفون الرجال ويميزون الأمور.
قال المرزباني: وكان الجاحظ ملازما لمحمد بن عبد الملك خاصا به، وكان منحرفا عن أحمد بن أبي داود للعداوة بين أحمد ومحمد، ولما قبض على محمد هرب الجاحظ، فقيل له: لم هربت؟ فقال: خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور، يريد ما صنع بمحمد وإدخاله تنور حديد فيه مسامير كان هو صنعه ليعذّب الناس فيه فعذب هو فيه حتى مات، يعني محمد بن الزيات.
وحدث علي بن محمد الوراق قال: من كتاب الجاحظ الى ابن الزيات: لا والله ما عالج الناس داء قطّ أدوى من الغيظ، ولا رأيت شيئا هو أنفذ من شماتة الأعداء، ولا أعلم بابا أجمع لخصال المكروه من الذلّ، ولكنّ المظلوم ما دام يجد من يرجوه، والمبتلى ما دام يجد من يرثي له، فهو على سبب درك، وإن تطاولت به الأيام، فكم من كربة فادحة وضيقة مصمتة قد فتحت أقفالها وفكّكت أغلالها، ومهما