قصّرت فيه فلم أقصّر في المعرفة بفضلك وفي حسن النية بيني وبينك، لا مشتّت الهوى، ولا مقسّم الأمل، على تقصير قد احتملته، وتفريط قد اغتفرته، ولعلّ ذلك أن يكون من ديون الإدلال وجرائم الإغفال، ومهما كان من ذلك فلن أجمع بين الإساءة والإنكار، وإن كنت كما تصف من التقصير، وكما تعرف من التفريط، فإني من شاكري أهل هذا الزمان وحسن الحال متوسط المذهب، وأنا أحمد الله على أن كانت مرتبتك من المنعمين فوق مرتبتي في الشاكرين، وقد كانت عليّ بك نعمة أذاقتني طعم العز، وعودتني روح الكفاية، والموت هذا الدهر وجهد ... هذا قردا وخنزيرا ترك فيهما مشابه من الإنسان، ولما مسخ الله زماننا لم يترك فيه مشابه من الزمان.
وقال أبو عثمان: ليس جهد البلاء مدّ الأعناق وانتظار وقع السيف، لأن الوقت قصير، والحين مغمور، ولكن جهد البلاء أن تظهر الخلة، وتطول المدة، وتعجز الحيلة، ثم لا تعدم صديقا مؤنبا، وابن عمّ شامتا، وجارا حاسدا، ووليا قد تحول عدوا، وزوجة مختلعة، وجارية مسبعة، وعبدا يحقرك، وولدا ينتهرك.
وقال الجاحظ: إذا سمعت الرجل يقول ما ترك الأول للآخر شيئا فاعلم أنه ما يريد أن يفلح.
قال أبو حيان في «كتاب التقريظ» ومن خطه نقلت: وحدثنا أبو دلف الكاتب قال: صدّر الجاحظ في ديوان الرسائل أيام المأمون ثلاثة أيام، ثم إنه استعفى فأعفي، وكان سهل بن هارون يقول: إن ثبت الجاحظ في هذا الديوان أفل نجم الكتاب.
قال أبو عبد الله المرزباني، حدث إسحاق الموصلي وأبو العيناء قال «١» : كنت عند أحمد بن أبي دواد بعد قتل ابن الزيات، فجيء بالجاحظ مقيدا، وكان من أصحاب ابن الزيات وفي ناحيته، فلما نظر إليه قال: والله ما علمتك إلا متناسيا للنعمة كفورا للصنيعة معددا للمساوي، وما فتّني باستصلاحي لك، ولكنّ الأيام لا تصلح منك إلا لفساد طويتك ورداءة دخلتك وسوء اختيارك وتغالب طبعك، فقال له