الجاحظ: خفّض عليك- أيدك الله- فو الله لأن يكون لك الأمر عليّ خير من أن يكون لي عليك، ولأن أسيء وتحسن أحسن عنك من أن أحسن عنك من أن أحسن فتسيء، وأن تعفو عني في حال قدرتك أجمل من الانتقام مني، فقال له ابن أبي داود: قبحك الله، ما علمتك إلا كثير تزويق الكلام، وقد جعلت بيانك «١» أمام قلبك ثم اصطنعت «٢» فيه النفاق والكفر، ما تأويل هذه الآية وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ
(هود: ١٠٢) قال تلاوتها تأويلها، أعز الله القاضي، فقال: جيئوا بحداد، فقال: أعز الله القاضي ليفكّ عني أو ليزيدني؟ فقال: بل ليفكّ عنك، فجيء بالحداد، فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ ويطيل أمره قليلا، فلطمه الجاحظ وقال: اعمل عمل شهر في يوم، وعمل يوم في ساعة، وعمل ساعة في لحظة، فإن الضرر على ساقي وليس بجذع ولا ساجة، فضحك ابن أبي دواد وأهل المجلس منه. وقال ابن أبي داود لمحمد بن منصور وكان حاضرا: أنا أثق بظرفه ولا أثق بدينه، ثم قال: يا غلام صر به إلى الحمام وأمط عنه الأذى، واحمل إليه تخت ثياب وطويلة «٣» وخفا، فلبس ذلك ثم أتاه فتصدر في مجلسه، ثم أقبل عليه وقال: هات الآن حديثك يا أبا عثمان.
ومن شعر الجاحظ في ابن أبي داود:
وعويص من الأمور بهيم ... غامض الشخص مظلم مستور
قد تسنمت ما توعّر منه ... بلسان يزينه التحبير
مثل وشي البرود هلهله النس ... ج وعند الحجاج درّ نثير