لك لسنة كاملة مستقبلة، وهذا مما لم تحتكم به نفسك. وقد قرأت رسالتك في بصيرة غنام ولولا أني أزيد في مخيلتك لعرّفتك ما يعتريني عند قراءتها، والسلام.
قال الجاحظ «١» : قلت للحزامي: قد رضيت بقول الناس فيك انك بخيل؟ قال:
لا أعدمني الله هذا الاسم، [قلت: وكيف؟] قال: لأنه لا يقال فلان بخيل إلا وهو ذو مال، فإذا سلم المال فادعني بأيّ اسم شئت؛ قلت: ولا يقال سخيّ إلا وهو ذو مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد، وجمع ذاك الاسم المال والذم، قال: بينهما فرق، قلت: هاته، قال: في قولهم بخيل تثبيت لاقامة المال في ملكه، واسم البخيل اسم فيه حزم وذم، واسم السخاء فيه تضييع وحمد، والمال نافع مكرم لأهله معزّ، والحمد ريح وسخرية، واستماعه ضعف وفسولة، وما أقل والله غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه وعري جسده وشمت عدوه.
قال أبو حيان «٢» : ومن عجيب الحديث في كتبه ما حدثنا به علي بن عيسى النحوي الشيخ الصالح قال: سمعت ابن الاخشاد شيخنا أبا بكر يقول: ذكر أبو عثمان في أول «كتاب الحيوان» أسماء كتبه ليكون ذلك كالفهرست، ومرّ بي في جملتها «الفرق بين النبي والمتنبىء» و «كتاب دلائل النبوة» وقد ذكرهما هكذا على التفرقة وأعاد ذكر الفرق في الجزء الرابع لشيء دعاه إليه، فأحببت أن أرى الكتابين، ولم أقدر إلا على واحد منهما، وهو «كتاب دلائل النبوة» وربما لقب بالفرق خطأ، فهمّني ذلك وساءني في سوء ظفري به، فلما شخصت من مصر ودخلت مكة حرسها الله تعالى حاجّا أقمت مناديا بعرفات ينادي، والناس حضور من الآفاق على اختلاف بلدانهم وتنازح أوطانهم وتباين قبائلهم وأجناسهم من المشرق إلى المغرب ومن مهبّ الشمال إلى مهب الجنوب وهو المنظر الذي لا يشابهه منظر:«رحم الله من دلّنا على كتاب الفرق بين النبي والمتنبىء لأبي عثمان الجاحظ على أي وجه كان» . قال فطاف المنادي في ترابيع عرفات وعاد بالخيبة وقال: عجب «٣» الناس مني ولم يعرفوا هذا الكتاب ولا اعترفوا به؛ قال ابن اخشاد: وإنما أردت بهذا أن أبلغ نفسي عذرها.