سبعين دينارا، قال: وكان الكسائي يقول لي: هذا الحرف لم أسمعه فاكتبه لي، فأفعل. قال: وكان الأخفش يؤدّب ولد الكسائي؛ قال التاريخي: فكأن الجاحظ سمع هذا الخبر فقال، مما يعدده من فخر أهل البصرة على أهل الكوفة: وهؤلاء يأتونكم بفلان وفلان وبسيبويه الذي اعتمدتم على كتبه وجحدتم فضله.
وحدث التاريخي أيضا وهارون بن محمد بن عبد الملك الزيات، قال هارون:
دخل الجاحظ على أبي وقد افتصد فقال له: أدام الله صحتك، ووصل غبطتك، ولا سلبك نعمتك، قال: ما أهديت لي يا أبا عثمان؟ قال: أطرف شيء، كتاب سيبويه بخط الكسائي وعرض الفراء.
وقال التاريخي، قال الجاحظ «١» : أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك ففكرت في شيء أهديه له فلم أجد شيئا أشرف من كتاب سيبويه، وقلت له: أردت أن أهدي لك شيئا ففكرت فإذا كل شيء عندك، فلم أر أشرف من هذا الكتاب، وهذا كتاب اشتريته من ميراث الفراء، قال: والله ما أهديت إليّ شيئا أحبّ إليّ منه.
وحدث التاريخيّ عن المبرد عن الزراري أبي زيد قال: قال رجل لسماك بالبصرة: بكم هذه السمكة؟ قال: بدرهمان، فضحك الرجل، فقال السماك:
ويلك أنت أحمق، سمعت سيبويه يقول: ثمنها درهمان.
وحدث عن المبرد عن المازني عن الجرمي قال: في كتاب سيبويه ألف وخمسون بيتا سألت عنها فعرف ألف ولم تعرف خمسون.
وحدثت عن النظام أنه دخل على سيبويه في مرضه فقال له: كيف تجدك أبا بشر؟ قال: أجدني ترحل العافية عني بانتقال «٢» ، وأجد الداء يخامرني بحلول، غير أني وجدت الراحة منذ البارحة. قلت: فما تشتهي؟ قال: أشتهي أن أشتهي؛ فلما كان من بعد ذلك اليوم دخلت إليه وأخوه يبكي وقد قطرت من دموعه على خده، فقلت: كيف تجدك؟ فقال:
يسرّ الفتى ما كان قدّم من تقى ... إذا عرف الداء الذي هو قاتله