وأوضحه وأناره، وأعزه وأنافه، وشرّفه وأكمله، وتممه وفضله، وأعزه ورفعه، وجعله دينه الذي أحبه واجتباه، واستخلصه وارتضاه، واختاره واصطفاه، وجعله الدين الذي تعتدّ به ملائكته، وأرسل بالدعاء عليه أنبياءه، وهدى له من أراد إكرامه وإسعاده من خلقه، فقال جلّ من قائل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ
(الحج: ٧٨) فبهذا الإسلام والدخول فيه والعلم به وأداء شرائعه والقيام بمفروضاته وصلت ملائكته ورسله إلى رضوان الله ورحمته وجواره في جنته، وبه تحرزوا من غضبه وعقوبته، وأمنوا نكال عذابه وسطوته. فقال المنصور: حسبك يا مسعدة، اجعل هذا صدر الكتاب إلى أهل الجزيرة بالاعذار والانذار.
وأما عمرو بن مسعدة ففضله شائع ونبله ذائع أشهر من أن ينبّه عليه، أو يدلّ بالوصف إليه، قد ولي للمأمون الأعمال الجليلة، وألحق بذوي المراتب النبيلة، وسماه بعض الشعراء وزيرا لعظم منزلته لا لأنه كان وزيرا وهو قوله:
لقد أسعد الله الوزير ابن مسعده ... وبثّ له في الناس شكرا ومحمده
في أبيات.
فحدث إسماعيل بن أبي محمد اليزيدي «١» قال: كان عمرو بن مسعدة أبيض أحمر الوجه، وهو من أولاد صول الأكبر جدّ محمد بن صول بن صول، وقد ذكرت أصلهم في أخبار إبراهيم بن العباس من هذا الكتاب «٢» . وكان المأمون يسميه الرومي لبياض وجهه.
ووصف الفضل بن سهل بلاغة عمرو بن مسعدة فقال: هو أبلغ الناس، ومن بلاغته أن كلّ أحد إذا سمع كلامه ظنّ أنه يكتب مثله فإذا رامه بعد عليه، وهذا كما قيل لجعفر بن يحيى ما حدّ البلاغة؟ فقال: التي إذا سمعها الجاهل ظنّ أنه يقدر على مثلها فإذا رامها استصعبت عليه.