وعن محمد بن القاسم قال: دخل المعتصم يوما إلى خاقان بن غرطوج يعوده فرأى الفتح بن خاقان ابنه وهو صبي لم يتّغر فمازحه ثم قال: أيما أحسن داري أم داركم؟ فقال الفتح بن خاقان: يا سيدي دارنا إذا كنت فيها أحسن، فقال المعتصم:
لا أبرح والله حتى أنثر عليه مائة ألف درهم، وفعل ذلك.
وعن أبي العباس المبرد قال: أنشد الفتح بن خاقان «١» :
لست مني ولست منك فدعني ... وامض عني مصاحبا بسلام
وإذا ما شكوت ما بي قالت ... قد رأينا خلاف ذا في المنام
فزاد الفتح بن خاقان:
لم تجد علة تجنّى بها الذن ... ب فصارت تعتلّ بالأحلام
قال المبرد: وسمعت الفتح ينشد قبل أن يقتل بساعات هذا البيت وهو:
وقد يقتل الغتميّ مولاه غيلة ... وقد ينبح الكلب الفتى وهو غافل
وكان الفتح يتعشق خادما للمتوكل اسمه شاهك وله فيه أشعار منها:
أشاهك ليلي مذ هجرت طويل ... وعيني دما بعد الدموع تسيل
وبي منك والرحمن ما لا أطيقه ... وليس إلى شكوى إليك سبيل
أشاهك لو يجزى المحبّ بوده ... جزيت ولكنّ الوفاء قليل
قال ابن حمدون: كان الفتح بن خاقان يأنس بي ويطلعني على الخاص من سرّه، فقال لي مرة: شعرت يا أبا عبد الله أني انصرفت البارحة من مجلس أمير المؤمنين، فلما دخلت منزلي استقبلتني فلانة- يعني جاريته- فلم أتمالك أن قبلتها، فوجدت فيما بين شفتيها هواء لو رقد المخمور فيه لصحا، فكان هذا من مستحسن كلام الفتح، فكأن الوأواء الدمشقي سمع هذا حتى قال:
سقى الله ليلا طاب إذ زار طيفه ... فأفنيته حتى الصباح عناقا
يطيب نسيم منه يستجلب الكرى ... ولو رقد المخمور فيه أفاقا
تملّكني لما تملّك مهجتي ... وفارقني لما أمنت فراقا