شخصهما، فأخذاني وجاءا بي إلى شيخ قاعد على تلعة من الأرض حسن الشيبة، فسلمت عليه فردّ عليّ السلام، فأفرخ روعي ثم قال: من أين، وإلى أين؟ فقلت:
من الكوفة أريد مكة، قال: ولم تخلفت عن أصحابك؟ فقلت: ضلت راحلتي فجئت أطلبها، فرفع رأسه إلى قوم على رأسه فقال: زاملة، فأنيخت بين يدي، ثم قال لي، أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: هاته فقرأت حم الأحقاف حتى انتهيت إلى هذه الآية: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
(الأحقاف/ ٢٩) الآية فقال لي: على رسلك تدري كم كانوا؟ قلت: اللهم لا، قال: كنا أربعة وكنت المخاطب لهم عنه صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا قوميا أجيبوا داعي الله. ثم قال لي: أتقول الشعر؟ قلت: اللهم لا. قال: أفترويه؟ قلت: نعم، قال: هاته، فأنشدته قصيدة:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلّم ... بحومانة الدرّاج فالمتثلم
فقال: لمن هذه؟ فقلت: لزهير بن أبي سلمى، قال: الجني؟ قلت: بل الانسى مرارا، فرفع رأسه إلى قوم على رأسه فقال: زهير، فأتي بشيخ كأنه قطعة لحم فألقي بين يديه فقال له: يا زهير، قال: لبيك، قال:«أمن أم أوفى» لمن؟
قال: لي؛ قال: هذا حمزة الزيات يذكر أنها لزهير بن أبي سلمى الإنسي، قال:
صدق هو وصدقت أنت. قال: وكيف هذا؟ قال: هو إلفي من الإنس وأنا تابعه من الجن أقول الشيء فألقيه في وهمه ويقول الشيء فآخذه عنه، فأنا قائلها في الجن وهو قائلها في الإنس. قال أبو نعيم فصدّق عندي هذا الحديث حديث أبي الجوزاء أنّ وسواس الرجل يحدث وسواس الرجل فمن ها هنا يفشو السر، قال: فاستفرغ المتوكل ضحكا وقال: إليّ يا فتح، فصبّ عليه خلعا وحمل على شيء من الظهر وأمر له بمال وأمر لي بدون ما أمر له به، فانصرفت إلى منزلي وقد شاطرني الفتح ما أخذ فصار الأكثر إليّ والأقل عنده.
قال جحظة في «أماليه» حدثني المبرد قال أنشدني الفتح بن خاقان لنفسه «١» :
وإني وإياها لكالخمر والفتى ... متى يستطع منها الزيادة يزدد