آماله فوق ظهر النجم شامخة ... والموت من تحت إطليه على الرصد
من كان لم يعط علما في بقاء غد ... ماذا تفكّره في الرزق بعد غد
قرأت في «كتاب هراة» للفامي قال: روي عن محمد بن إبراهيم بن عبدويه ابن سدوس بن علي أبي عبد الله المسندي أنه قال: كنا عند أبي خليفة القاضي بالبصرة فدخل عليه اللص داره، فصاح ابنه باللص، فخرج أبو خليفة إلى صحن الدار فقال: أيها اللص مالك ولنا؟ إن أردت المال فعليك بفلان وفلان، إنما عندنا قمطران: قمطر فيه أحاديث وقمطر فيه أخبار، إن أردت الحديث حدثناك عن أبي الوليد الطيالسي وأبي عمر الجوصي وابن كثير وهو محمد، وإن أردت الأخبار أخبرناك عن الرياشي عن الأصمعي ومحمد بن سلام، فصاح ابنه: إنما كان كلبا، فقال:
الحمد لله الذي مسخه كلبا وردّ عنا حربا.
وذكر التنوخي هذه الحكاية وقال في آخرها: فقال له غلامه: يا مولاي ليس إلا الخير إنما هو سنور، فقال أبو خليفة: الحمد لله الذي مسخه هرّا وكفانا شرّا.
قال المؤلف: ومثل هذه الحكاية تحكى عن أبي حية النميري، مشهورة عنه، وقال في آخرها: الحمد لله الذي مسخه كلبا وردنا حربا «١» .
وقرأت في كتاب أبي عليّ التنوخي «٢» حدثني أبي رضي الله عنه أن صديقا لأبي خليفة القاضي اجتاز عليه راكبا وهو في مسجده فسأله أن ينزل عنده فيحادثه، فقال:
أمضي وأعود، فقال له أبو خليفة: إيحاشك فقد وإيناسك وعد.
قال «٣» : وكان أبو خليفة كثير الاستعمال للسجع في كلامه. وكان بالبصرة رجل يتحامق ويتشبّه به يعرف بأبي الرطل، لا يتكلم إلا بالسجع هزلا كله، فقدمت هذا الرجل امرأته إلى أبي خليفة وهو يلي قضاء البصرة إذ ذاك، وادعت عليه الزوجية والطلاق، فأقر لها بهما، فقال له أبو خليفة: أعطها مهرها، فقال أبو الرطل: كيف أعطيها مهرها، ولم تقلع مسحاتي نهرها؟! فقال له أبو خليفة: فأعطها نصف