للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطرات ذكرك تستثير صبابتي «١» ... فأحسّ منها في الفؤاد دبيبا

لا عضو لي إلا وفيه صبابتي ... فكأنّ أعضائي خلقن قلوبا

ومن رسائله ما كتب به إلى بعض إخوانه: كتبت، أطال الله بقاء مولاي، وما في جسمي جارحة إلا وهي تودّ لو كانت يدا تكاتبه، ولسانا يخاطبه، وعينا تراقبه، وقريحة تعاتبه، بنفس ولهى، وبصيرة ورهى، وعين عبرى، وكبد حرّى، منازعة إلى ما يقرّب منه، وتمسكا بما يتصل عنه، ومثابرة على أمل هو غايته، وتعلقا بحبل عهد هو نهايته، وخاطري يميل نحوه، ونفسي تأمل دنوّه، وترجو وتقول أتراه، بل لعله وعساه، يرقّ لنفس قد تصاعد نفسها، ويرحم روحا قد فارقها روحها ومؤنسها، وكيف بقلبه لو عاين صورة هذه صورتها، وشاهد مهجة هذه جملتها، فليرفق جعلت فداه بمن عاند برحا عظيما، وكابد قرحا أليما، وليرقّ لكبد قذفها البعاد، وعين أرّقها السهاد، وأحشاء محرقة بنار الفراق، وأجفان مقروحة بدمعها المهراق، وقلب في أوصابه متقلّب، ولب في عذابه معذّب، فلو أني أسعدت فأعطيت الرضى، وخيرت فاخترت المنى، لتمنيت أن أتصوّر صورتك، وأطالع طلعتك، وأمثّل لها مثالي لتراه، فأخبرها بكنه حالي ومعناه، لترفق لازالة ما أزلّه الدهر إليّ، ولتتلطف لإماطة ما أماطه عليّ، وأشكو بعض ما نابني من نوائبه وغوائله، وأطلقني من أشراكه وحبائله.

وكان قد تمت عليه نكبة أخرجته من مقرّ عزه وموطن ملكه، فشتتته عن الأوطان وألحقته بخراسان، فأقام بها برهة من الزمان إلى أن أسفر صبحه، وفاز بعد الخيبة قدحه، وتحرج الزمان من جوره عليه، فردّ ملكه إليه، فقال في حال نكبته «٢» :

قل للذي بصروف الدهر عيّرنا ... هل عاند الدهر إلا من له خطر

أما ترى البحر يطفو فوقه جيف ... ويستقرّ بأقصى قعره الدرر

فان تكن عبثت «٣» أيدي الزمان بنا ... ونالنا من تأذي بؤسه ضرر

<<  <  ج: ص:  >  >>