وهل ترد الجرعاء مني بجنّة ... على طرفيها رونق العهد قد مشى
وإني قد كتّمت سرّي وإنما ... برغمي صوب المدمعين به فشا
كما أن صدر الشرق أخفى سخاءه ... ولكنه بشر الجبين به وشى
متى جحدت نعماه أنهض جوده ... شهودا من الإحسان لا تقبل الرشا
وإن هزّه الإطراء ثم تبجست ... أياديه لم يسكر له فقد انتشى
أيلحقه الوهم القطوف إذا سعى ... لإدراك غايات العلا متكمشا
لك المنهل المسكيّ ما زال نقعه ... يعلّل صلّا في يمينك أرقشا
فيلفظ في منسابه من لعابه ... حتوفا وأرزاقا على حسب ما تشا
وهي أطول من هذا.
وحدثني الإمام صدر الأفاضل قال: كتب إليّ الصوفي المعروف بالصواب يسألني عن بيت حسان بن ثابت وهو:
فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
وقولهم بأن فيه ثلاثة عشر مرفوعا فأجبته:
أفدي إماما وميض البرق منصرع ... من خلف خاطره الوقّاد حين خطا
يبغي الصواب لدينا من مباحثه ... أما درى أنّ ما يعدو الصواب خطا
الذي يحضرني في هذا البيت من المرفوعات اثنا عشر فمنها قوله فمن يهجو فيه ثلاثة مرفوعات المبتدأ والفعل المضارع والضمير المستكن، ومنها المبتدأ المقدر في قوله ويمدحه، المعنى ومن يمدحه فيكون هاهنا على حسب المثال الأول ثلاثة مرفوعات أيضا، ومنها المرفوعان في قوله وينصره أحدهما الفعل المضارع والثاني الضمير المستكن، ومنها المرفوعات الأربعة في قوله سواء، اثنان من حيث أنه في مقام الخبرين للمبتدأين واثنان آخران من حيث أن في كلّ واحد ضميرا راجعا إلى المبتدأ، فهذا يا سيدي جهد المقل، وغير مرجوّ قطع المدى من الكلّ، فليعذرني سيدي- قبل الله معاذيره- من المرفوع الثالث عشر، فإنه لعمري قد استكنّ واستتر