للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد منهم أن يشعّث شيئا البتة، وينزهون أنفسهم عند رفع المائدة بمسح أيديهم بلحاهم، وله في ذلك قصص عجيبة؛ قال جحظة: ربحت بأكلة أقريتها مع الحسن بن مخلد خمسمائة دينار وخمسمائة درهم وخمسة أثواب فاخرة وعتيدة طيب سريّة، فقيل له: كيف كان ذلك؟ فقال: كان الحسن بن مخلد بخيلا على الطعام سمحا بالمال، وكان يأخذ ندماءه بغتة فيسقيهم النبيذ ويواكلهم، فمن أكل قتله قتلا، ومن شرب معه على الخسف [١] حظي عنده، قال: فكنت عنده يوما فقال لي: يا أبا الحسن قد عملت غدا على الصبوح الجاشريّ فبت عندي، فقلت: لا يمكنني ولكني أباكرك قبل الوقت، فعلى أيّ شيء عملت أن تصطبح؟ فقال: قد أعدّ لنا كذا وكذا، ووصف ما تقدم به إلى الطباخ بعمله، فعقدنا الرأي على أن أباكره، وقمت وجئت إلى منزلي ودعوت طباخي فتقدمت إليه بأن يصلح لي مثل ذلك بعينه ويفرغ منه وقت العتمة، ففعل، ونمت وقمت وقد مضى نصف الليل، فأكلت ما أصلح، وغسلت يدي، وأسرج [لي] وأنا عامل على المضيّ إليه إذا طرقتني رسله، فجئته فقال:

بحياتي أكلت؟ قلت: أعيذك بالله، انصرفت من عندك قبل الغروب، وهذا نصف الليل، فأيّ وقت أصلح لي شيء؟ أو أي وقت أكلت شيئا؟ اسأل غلمانك على أيّ حال وجدوني، فقالوا: وجدناه يا سيدنا وقد لبس ثيابه، هو ينتظر أن يفرغ له من إسراج بغلته ليركبها، فسرّ بذلك سرورا شديدا وقدّم الطعام فما كان فيّ فضل أشمه، فأمسكت عن تشعيثه ضرورة وهو يستدعي أكلي، ولو أكلت أحلّ دمي، قال: وكذا كانت عادته، فأقول هو ذا آكل يا سيدي، وفي الدنيا أحد يأكل أكثر من هذا؟! وانقضى الأكل وجلسنا على الشرب، فجعلت أشرب بأرطال وهو يفرح، وعنده أني أشرب على الريق أو على ذلك الأكل الذي خلست معه، ثم أمرني بالغناء فغنيت، فاستطاب ذلك وطرب وشرب أرطالا، فلما رأيت النبيذ قد عمل فيه قلت: يا سيدي تطرب أنت على غنائي فأنا على أي شيء أطرب؟ فقال: يا غلام هات دواة، فأحضرت فكتب لي رقعة ورمى بها إليّ وإذا هي على صيرفيّ يعامله بخمسمائة دينار، فأخذتها وشكرته، ثم غنيته وطرب وزاد سكره، فطلبت منه ثيابا فخلع عليّ خمسة


[١] على الخسف: على غير أكل.

<<  <  ج: ص:  >  >>