قال: وهي قرية من قرى مرو الشاهجان- قال: سمعت الشيخ الثقة أبا بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد النقور البزاز ببغداد يقول، سمعت الرئيس أبا محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري صاحب المقامات يقول: أبو زيد السروجي كان شيخا شحاذا بليغا ومكديا فصيحا، ورد علينا البصرة فوقف يوما في مسجد بني حرام فسلّم ثم سأل الناس، وكان بعض الولاة حاضرا والمسجد غاصّ بالفضلاء فأعجبتهم فصاحته وحسن صياغة كلامه وملاحته، وذكر أسر الروم ولده، كما ذكرناه في المقامة الحرامية وهي الثامنة والأربعون، قال: واجتمع عندي عشية ذلك اليوم جماعة من فضلاء البصرة وعلمائها، فحكيت لهم ما شاهدت من ذلك السائل وسمعت من لطافة عبارته في تحصيل مراده، وظرافة إشارته في تسهيل إيراده، فحكى كلّ واحد من جلسائه أنه شاهد من هذا السائل في مسجده مثل ما شاهدت، وأنه سمع منه في معنى آخر فصلا أحسن مما سمعت، وكان يغيّر في كلّ مسجد زيّه وشكله، ويظهر في فنون الحيلة فضله، فتعجبوا من جريانه في ميدانه، وتصرفه في تلونه وإحسانه، فأنشأت المقامة الحرامية ثم بنيت عليها سائر المقامات وكانت أول شيء صنعته.
قال المؤلف: وذكر ابن الجوزي في تاريخه مثل هذه الحكاية، وزاد فيها أنّ ابن الحريري عرض المقامة الحرامية على أنوشروان بن خالد «١» وزير السلطان فاستحسنها وأمره أن يضيف إليها ما يشاكلها فأتمها خمسين مقامة.
حدثني من أثق به أن الحريريّ لما صنع المقامة الحرامية وتعانى الكتابة فأتقنها وخالط الكتّاب أصعد إلى بغداد، فدخل يوما إلى ديوان السلطان وهو منغصّ بذوي الفضل والبلاغة محتفل بأهل الكفاية والبراعة، وقد بلغهم ورود ابن الحريري، إلا أنهم لم يعرفوا فضله، ولا اشتهر بينهم بلاغته ونبله، فقال له بعض الكتاب: أيّ شيء تتعانى من صناعة الكتابة حتى نباحثك فيه؟ فأخذ بيده قلما وقال: كلّ ما يتعلق بهذا، وأشار إلى القلم، فقيل له: هذه دعوى عظيمة، فقال: امتحنوا تخبروا،