للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلت أصبر على كيد الزمان وكدّه، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده:

فلو لم يعل إلا ذو محلّ ... تعالى الجيش وانحطّ القتام «١»

إلى أن بلغني ممن يعوّل عليه، ويرجع في القول إليه، عن بعض شعراء هذا الزمان، ممن يشار إليه بالبنان، أنه أنشد عنده بيت للوليد «٢» ، يشهد له بالفصاحة والتجويد، وهو قوله:

إذا محاسني اللائي أدلّ بها ... صارت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر

فقال مقال المفتري، كم قد خرينا على البحتري، فصبرت قلبي على أذاته، وأغضيت جفني على قذاته، حتى ابتدرني بالبادرة، التي يقصّر عنها لسان الحادرة.

فلو كان النابلسيّ، كابن هانىء الأندلسي، لزلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها. فيا لله العجب متى أشرفت الظلمة على الضياء، أو علت الأرض على السماء، وأين السها من القمر؟ وكيف يضاهى الغمر بالغمر؟ فإنّا لله وأفوض أمري إلى الله، أفي كل سحابة أراع برعد، وفي كل واد بنو سعد «٣» :

وإني شقيّ باللئام ولا ترى ... شقيا بهم إلا كريم الشمائل

لقد تحككت العقرب بالأفعى، واستنّت الفصال حتى القرعى «٤» .

وطاولت الأرض السماء سفاهة ... وفاخرت الشهب الحصى والجنادل «٥»

وما ذلك التيه والصلف، والتجاوز للحدّ والسرف؟ إلّا لأنه كلما جرّ جريرا «٦» ، اعتقد أنه قد جرّ جريرا، وكلما ركب الكميت، ظنّ أنه قد ارتكب الكميت، وكلما أعظم من غير عظم، وأكرم من غير كرم، شمخ بأنفه وطال، وتطاول إلى ما لن ينال، وزعم أنه قد بلّد لبيدا، وعبّد عبيدا، ولا والله ليس الأمر كما زعم، ولا الشعر كما نظم، ولكنها المكارم السلطانية الملكية الظاهرية التي نوّهت بذكره فسترها، ورفعت

<<  <  ج: ص:  >  >>