للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن الأعرابي الشاعر قال: كنت في دعوة جحظة، فأكلت وجلسنا نشرب وهو يغني، إذ دخل رجل فقدّم إليه جحظة زلّة كان زلّها من طعامه ونحن نأكل، وكان بخيلا على الطعام، قال: وكأنّ الرجل كان طاويا، طاوي سبع، فأتى على الزلّة، ورفع الطيفورية فارغة وجحظة يرمقه بغيظ، ونحن نلمح جحظة ونضحك، فلما فرغ قال له جحظة: تلعب معي بالنرد؟ قال: نعم فوضعاه بينهما ولعبا، فتوالى اللعب على جحظة من الرجل بأن تجيء الفصوص على ما يريد من الأعداد، ويكره جحظة، فأخرج جحظة رأسه من قبّة الخيش رافعا له إلى السماء، وقال كأنه يخاطب الله جلّ وعزّ: لعمري إني أستحقّ هذا لأني أشبع من أجعته.

قلت: ما. شد تباعد ما بين هذين الخبرين وخبر رواه التنوخي [١] أيضا عن أبي العباس ابن المنجم [٢] قال: سمعت أبا عبد الله الموسوي العلوي [٣] يقول: قصدني أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد [٤] في أيام تدبيره الأمر قصدا قبيحا، وعمل لي كتّابه مؤامرة [٥] في خراجاتي بمائة ألف درهم، أكثرها واجب [عليّ] وباقيها كالواجب، وأحضرني للمناظرة عليها واعتقلني في داره، فضقت ذرعا بما نزل بي، وعلمت أن المال سيلزمني إذا نوظرت، وأنه يؤثر في حالي ويهتك جاهي، فلم أدر ما أصنع، فشاورت بعض من يختصّ به فقال: طمعه فيك والله قويّ وما ينفعك معه شيء غير المال، فقلت له: ففكّر في حيلة أو مخادعة، ففكر ثم قال: لا أعرف لك دواء إلا شيئا واحدا إن سمحت به نفسك وتركت العلوية عنك وفعلته نجوت، قلت:

ما هو؟ قال: هو رجل سمح على الطعام محبّ لآكله على مائدته موجب لحرمته،


[١] نشوار المحاضرة ٢: ٣٣٦- ٣٣٨.
[٢] هو أبو العباس هبة الله بن المنجم.
[٣] هو أخو أبي أحمد الموسوي نقيب الطالبيين، نفاهما عضد الدولة واعتقلهما وبقيا في الاعتقال ثلاث سنوات، وأطلقا سنة ٣٧٢.
[٤] كان ابن شيرزاد كاتبا لهارون بن غريب الخال (خال المقتدر) وتقلبت به الأحوال في مناصب مختلفة (انظر صفحات متفرقة من تجارب الأمم وتاريخ ابن الأثير) .
[٥] المؤامرة: عمل تجمع فيه الأوامر الخارجة في مدة أيام الطمع ويوقع السلطان في آخره بإجازة ذلك (مفاتيح العلوم: ٣٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>