للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرى لك إذا وضع طعامه أن تخرج إليه فإنك معه في الدار، ولا يمنعك الموكلون من ذلك، فتجيء بغير إذن فتجلس على المائدة وتأكل وتنبسط، وتخاطبه في أمرك عقيب الأكل، وتسأله وترفق به وتخضع له، فإنه يسامحك بأكثرها ويقرب ما بينك وبينه، فشقّ ذلك عليّ، ثم نظرت فإذا وزن المال أشقّ منه، وكان أبو جعفر لا يأكل إلا بعد المغرب في كلّ يوم أكلة، فلم آكل ذلك اليوم شيئا، وراعيت مائدته، فلما وضعت قمت فقال الموكلون: إلى أين؟ قلت: الى مائدة الوزير، فما قدروا أن يمنعوني، فلما رأى أبو جعفر أكبر ذلك وتهلّل وجهه وقال: إلى عندي يا سيدي، وأجلسني إلى جنبه، فأقبلت آكل وأنبسط في الأكل والحديث إلى أن رفعت المائدة واستدعاني إلى موضعه، فغسلت يدي بحضرته، فلما فرغت أردت أن أبتدئه بالخطاب، فقال لي: قد آذيتك يا سيدي يا أبا عبد الله بتأخرك عن منزلك، فامض إلى بيتك وما أخاطبك بشيء مما في نفسي ولا مما أردت مخاطبتك به، ولا مطالبة عليك من جهتي بعدما تفضلت به، فشكرته وقلت: إن رأى سيدنا أيده الله أن يتمم معروفه بتسليم المؤامرة إليّ فعل، فقال: هاتموها، فما برحت إلا وهي في خفي، وانصرفت إلى منزلي وقد سقط المال عني، ولزمته للسلام، وصرت أتعمّد مواكلته والتخصص به، فسلمت طول أيامه وسلم جاهي ومالي عليّ إلى أن مضى لسبيله.

قلت: هذا حسن من فعله مع عسف كان فيه بالرعية في جباية المال لم يسبق إليها، ولا تبعه بعده أحد في مثلها، فكانت له أفعال منكرة منها أنه استدعى العيارين وضمّنهم ما يسرقونه من أموال الناس.

وكتب جحظة إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله المسمعي، وكان قائدا جليلا تقلد البصرة وفارس [١] :

إليك أبا اسحاق مني رسالة ... تزين الفتى إن كان يعشق زينه

لقد كنت غضبانا على الدهر زاريا ... عليه فقد أصلحت بيني وبينه

وكان أبو إسحاق هذا أديبا شاعرا، ومن شعره:

ألاطف من أجله أهله ... وكلّ إليّ حبيب قريب


[١] الوافي ٦: ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>