فيما لطف به لأخيك وحرمته؟ ثم عدل إلى مسألتي أن أخرج أسبوعا ويخرج أسبوعا ويقع بيننا مناوبة في ذاك، فامتنعت وأبيت ورفق بي رفقا استحييت معه وأجبت، فكتب أبو إسحاق إلى أبي القاسم المطهر:
أطلقت لي منهما عينا وقد بقيت ... عين فصرت من الابنين كالعور
فسوّ بينهما في فكّ أسرهما ... مستوفرا منهما من أجر مأجور
يفديك بالأنفس اللاتي مننت بها ... أبوهما وهما من كلّ محذور
فقال المطهر: الأمر إلى الملك فهو الذي رسم لي إطلاق ولدك صاحب الشامة، ولو كنت مستطيعا للجمع بينهما لفعلت، بل لم أقنع حتى تكون أنت المطلق فعاوده وشكره وقال: إذا كان قد أخذ في تخلية واحد فيجوز أن يتناوبا في الخروج، وفسح المطهر في ذلك.
قال أبو علي: وكانت خدمتي التي رعاها الملك عضد الدولة أن أبا طاهر ابن بقية لما أفرج عن أبي إسحاق والدي بعد القبض عليه عقيب خروج عضد الدولة من مدينة السلام استحلفه على أن يعرّفه ما يرد عليه من كتبه ويسلّم إليه من يجيئه من رسله، فاتفق أن جاء أبو سعد المدبر إليه بكتاب من عضد الدولة وعمل على تسليمه، فاجتهدت به ألّا يفعل، فخاف وأشفق ولم يقبل، وحمله إلى ابن بقية فتقدم باعتقاله بعد أن ضربه وقرّره، وشقّ ذلك عليّ لما يراعى من عواقبه، وحملني الشباب ونزقه والاغترار وبواعثه على أن قمت ليلا وحملت معي خمسين درهما في صرّة وعشرين درهما في صرّة أخرى وجئت إلى الحبس متنكرا وعلى رأسي منشفة وقلت للسجّان:
هذه عشرون درهما خذها ومكنّي من الدخول على هذا الجاسوس وأجتمع معه وأخاطبه وأخرج، فاخذها وأدخلني، وجئت إلى أبي سعد وتوجعت له مما حصل فيه، ووعدته بما أستطيعه من المعاونة على خلاصه، ثم قلت له: وأنت غريب وربما احتجت إلى شيء وهذه خمسون درهما اصرفها في نفقتك واستعن بها على أمرك، فشكرني وانصرفت، وأظنّه ذكر ذلك لعضد الدولة عند خلاصه وعوده إليه، فحصل لي في نفسه ما كانت هذه الحال ثمرته.