الامام وأبي بكر محمد بن الحسين الفراء وابن جائحان، وذكر جماعة وافرة.
قال: وأدركته ولم يقض لي عنه السماع، وكان في الحديث ثقة، ويتهم بمذهب الأشعرية، ويقال جنّ في آخر عمره إلى أن مات. وسمعت بعض أصحابنا يقول: كان يعرف الرجال والمتون، ولد في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ومات- ولم يذكره وذكره الثعالبي- في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وكذا قال أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي في «تاريخ هراة» .
قال المؤلف: وقد رأيت ذكر البديع في عدّة تصانيف من كتب العلماء، فلم يستقص أحد خبره أحسن مما اقتصّه الثعالبي، وكان قد لقيه وكتب عنه، فنقلت خبره من كتابه ولخصته من بعض سجعه قال: بديع الزمان، ومعجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدهر وغرة العصر، ولم نر نظيره في الذكاء وسرعة الخاطر وشرف الطبع وصفاء الذهن وقوة النفس، ولم ندرك نظيره في طرف النثر وملحه، وغرر النظم ونكته، وكان صاحب عجائب وبدائع، فمنها أنه كان ينشد الشعر لم يسمعه قط، وهو أكثر من خمسين بيتا، إلا مرة واحدة فيحفظها كلّها ويؤديها من أولها إلى آخرها لا يخرم حرفا، وينظر في الأربعة والخمسة الأوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره، نظرة واحدة خفيفة، ثم يهذّها عن ظهر قلبه هذّا ويسردها سردا، وهذا حاله في الكتب الواردة وغيرها، وكان يقترح عليه عمل قصيدة وإنشاء رسالة في معنى بديع وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة، وكان ربما كتب الكتاب المقترح عليه فيبتدىء بآخره ثم هلم جرا إلى أوله، ويخرجه كأحسن شيء وأملحه، ويوشّح القصيدة الفريدة من قيله بالرسالة الشريفة من إنشائه، فيقرأ من النظم النثر ويروي من النثر النظم، ويعطى القوافي الكثيرة فيصل بها الأبيات الرشيقة، ويقترح عليه كلّ عويص وعسير من النظم والنثر فيرتجله أسرع من الطرف، على ريق لا يبلعه ونفس لا يقطعه، وكلامه كله عفو الساعة وفيض اليد ومسارقة القلم ومسابقة اليد للفم. وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغريبة بالأبيات العربية، فيجمع فيها بين الإبداع والإسراع، إلى عجائب كثيرة لا تحصى، ولطائف تطول أن تستقصى. وكان مع ذلك مقبول الصورة حسن العشرة، وفارق همذان سنة ثمانين وثلاثمائة وهو مقتبل الشبيبة، غضّ الحداثة، وقد درس على أبي الحسين ابن