أتى عليه تسعون سنة يدور نهاره حافيا راجلا على القيان يعلّمهن الغناء فإذا جاءت الصلاة صلّى قاعدا، وكان بالمدينة وال وكان رجلا صالحا فقال: مالي لا أرى الناس يجتمعون على بابي كما يجتمعون على أبواب الولاة؟ فقالوا: إنك لا تضرب أحدا ولا تؤذي الناس، فقال: أهكذا؟ عليّ بالإمام، فنصب بين العقابين وجعل يضرب والإمام يقول: أعز الله الأمير أيش جرمي؟ وهو يقول: جمّلنا بنفسك، حتى اجتمع الناس على بابه.
وعن خيثمة بن سليمان بن حيدرة قال «١» : جاء رجل إلى الشافعي فقال له:
أصلحك الله، صديقك فلان عليل، فقال الشافعي: والله لقد أحسنت إليّ وأيقظتني لمكرمة ودفعت عني اعتذارا يشوبه الكذب، ثم قال: يا غلام هات السبتية، ثم قال:
للمشي على الحفاء على علة الوجاء في حرّ الرمضاء من ذي طول أهون من اعتذار إلى صديق يشوبه الكذب، ثم أنشأ يقول:
أرى راحة للحقّ عند قضائه ... ويثقل يوما ان تركت على عمد
وحسبك حظّا أن ترى عذر كاذب ... وقولك لم أعلم وذاك من الجهد
ومن يقض حقّ الجار بعد ابن عمه ... وصاحبه الأدنى على القرب والبعد
يعش سيدا يستعذب «٢» الناس ذكره ... وإن نابه حقّ أتوه على قصد
ومما يروى للشافعي رضي الله عنه «٣» :
أصبحت مطّرحا في معشر جهلوا ... حقّ الاديب فباعوا الرأس بالذنب
والناس يجمعهم سمل وبينهم ... في العقل فرق وفي الآداب والحسب
كمثلما الذهب الابريز يشركه ... في لونه الصّفر والتفضيل للذهب
والعود لو لم تطب منه روائحه ... لم يفرق الناس بين العود والحطب
وعن أبي بكر ابن بنت الشافعي قال، قال الشافعي بمكة حين أراد الخروج إلى مصر «٤» :