كأنّ القنا فيه على القرن ضاغن ... وحدّ الحسام الهندوانيّ حاقد
فصمت به الاشراك وهو مقوّم ... وقومت دين المصطفى وهو مائد
فلا يشفق الاسلام من سوء عثرة ... وفي الروع من آل ابن حمدان ذائد
وأنشد لنفسه في هذا الكتاب أبياتا ضمنها أعجاز أبيات للنابغة وهي في «الحماسة» :
لا يهنأ الناس ما يرعون من كلأ ... وما يسوقون من أهل ومن مال
فقال الحاتمي:
وليلة ضلّ عنها الصبح داجية ... لبستها بمطول الجري هطّال
وقد رمى البين شعب الحيّ فاقتسموا ... أيدي سبا بين تقويض وترحال
فناسبت أنجم الآفاق عيسهم ... «وما يسوقون من أهل ومن مال»
ترى الهلال نحيلا من مطالعه ... «أمسى ببلدة لا عمّ ولا خال»
والجدي كالطرف يستنّ المراح به ... «إلى ذوات الذرى حمال أثقال»
والليل والصبح في غبراء مظلمة ... «هذا عليها وهذا تحتها بال»
وفي هذا الكتاب لنفسه في الهلباجة الذي صنف الكتاب لأجله:
لقد سخف الفعليّ لما تحذّفا ... فنكّر في تعريفه ما تعرفا
ويا ربّ وجه حذّفوه لزينة ... فأصبح من قبح لصاحبه قفا
وهذه مخاطبة جرت بين أبي الطيب المتنبي وبين أبي علي الحاتمي حكيتها كما وجدتها: قال أبو علي الحاتمي: كان أبو الطيب المتنبي عند وروده مدينة السلام التحف رداء الكبر، وأذال ذيول التيه، وصعّر خده، ونأى بجانبه، وكان لا يلقى أحدا إلا نافضا مذرويه، رافلا في التيه في برديه، يخيّل إليه أن العلم مقصور عليه، وأن الشعر بحر لم يغترف نمير مائه غيره، وروض لم يرع نواره سواه، فأدلّ بذلك مديدة أجرّته رسن الجهل فيها، فظلّ يمرح في ثنييه، حتى إذا تخيل أنه القريع الذي لا يقارع، والنزيع الذي لا يجارى ولا ينازع، وأنه ربّ الغلب ومالك القصب، وثقلت وطأته على أهل الأدب بمدينة السلام، فطأطأ كلّ منهم رأسه وخفض جناحه وطامن