ثم قلت له: وأما قولك «والدهر لفط وأنت معناه» فمنقول من قول الأخطل إن كان البيت له في عبد الملك بن مروان:
وان أمير المؤمنين وفعله ... لكالدهر لا عار بما فعل الدهر
وقد قال جرير حين قال له الفرزدق:
فإني أنا الموت الذي هو نازل ... بنفسك فانظر كيف أنت تجاوله
وقال جرير:
أنا الدهر يفني الموت والدهر خالد ... فجئني بمثل الدهر شيئا يطاوله
ثم قلت له: أترى أن جريرا أخذ قوله «يفني الموت» من أحد وان أحدا شركه في إفناء الموت؟ ففكر طويلا ثم قال: لا، قلت: بلى عمران بن حطان حيث يقول:
لن يعجز الموت شيء دون خالقه ... والموت فان إذا ما ناله الأجل
وكلّ كرب أمام الموت متضع ... بالموت والموت فيما بعده جلل
فأمات الموت وأحياه وما سبقه إلى ذلك أحد.
ثم قلت له: أترى أن البيت المتقدم الذي يقول فيه «لكالدهر لا عار بما فعل الدهر» مأخوذ من أحد؟ فأطرق هنيهة ثم قال: وما تصنع بهذا؟ قلت: يستدل على موضعك ومواضع أمثالك من سرقة الشعر. فقال: الله المستعان «أساء سمعا فأساء جابة» ما أردت ما ذهبت إليه، قلت: فانه أخذه من قول النابغة وهو أول من ابتكره:
وعيّرتني بنو ذبيان خشيته ... وما عليّ بأن أخشاك من عار
ثم أخذه أبو تمام فأحسن بقوله:
خشعوا لصولتك التي هي فيهم ... كالموت يأتي ليس فيه عار
قال: ومن أبو تمام؟ قلت: الذي سرقت شعره فأنشدته، قال: هذه خلائق السفهاء لا خلائق العلماء، قلت: أجل أنت سفهت رأيي ولم يكن سفيها، ألست القائل:
ذي المعالي فليعلون من تعالى ... هكذا هكذا وإلا فلا لا
شرف ينطح الثريا بروقي ... هـ وفخر يقلقل الأجبالا