وكتب البديع إلى معلمه جوابا [١] : الشيخ الإمام يقول: فسد الزمان، أفلا يقول متى كان صالحا؟ أفي الدولة العباسية وقد رأينا آخرها وسمعنا بأولها، أم في المدة المروانية وفي أخبارها:
لا تكسع الشّول بأغبارها ... انك لا تدري من الناتج
ام السنين الحربية:
والسيف يغمد في الطّلى ... والرمح يركز في الكلى
ومبيت حجر بالفلا ... والحرّتان وكربلا
أم الأيام العدوية، وصاحبها [يقول] : هل بعد البزول الا النزول، أم الأيام التيمية [وصاحبها] يقول طوبى لمن مات في نأنأة الاسلام، أم على عهد الرسالة وقيل اسكني يا فلانة فقد ذهبت الأمانة، أم في الجاهلية ولبيد يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
أم قبل ذلك وأخو عاد يقول:
بلاد بها كنا وكنا نحبها ... إذ الأهل أهل والبلاد بلاد
أم قبل ذلك وقد قال آدم عليه السلام:
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبرّ قبيح
أم قبل ذلك والملائكة تقول أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ
(البقرة: ٣٠) واني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه، شفيق على بقائه، ما نسيته ولا أنساه، وإن له بكل كلمة علمنا منارا، ولكل حرف أخذته منه نارا، ولو عرفت لكلامي موقعا من قلبه لاغتنمت خدمته به، ولكني خشيت أن يقول هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا
(يوسف: ٦٥) واثنتان قلما تجتمعان الخراسانية والانسانية، وإني وإن لم أكن خراسانيّ الطينة فإني خراساني المدينة، والمرء من حيث يوجد لا من حيث يولد، والانسان من حيث يثبت لا من حيث ينبت، فإذا انضاف إلى تربة خراسان ولادة همذان ارتفع القلم وسقط التكليف، والجرح جبار والجاني حمار، فليحملني
[١] الرسالة موجهة الى أستاذه أحمد بن فارس، انظر الرسائل: ٤١٤.