للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيلاء فقال له ابن سريج: أنت بقولك: من كثرت لحظاته دامت حسراته، أبصر منك بالكلام في الإيلاء، فقال له أبو بكر: لئن قلت ذلك فإني أقول:

انزّه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما

وأحمل من ثقل الهوى ما لو انه ... يصبّ على الصخر الأصمّ تهدما

وينطق طرفي عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي ردّه لتكلما

فقال له ابن سريج: وبم تفتخر عليّ، ولو شئت أنا أيضا لقلت:

ومساهر بالغنج من لحظاته ... قد بتّ أمنعه لذيذ سباته

ضنا بحسن حديثه وعتابه ... واكرّر اللحظات في وجناته

حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولّى بخاتم ربه وبراته

فقال أبو بكر: يحفظ الوزير عليه ذلك، حتى يقيم عليه شاهدي عدل أنه ولّى بخاتم ربه وبراته، فقال ابن سريج: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك: أنزّه في روض المحاسن مقلتي ... فضحك الوزير وقال: لقد جمعتما ظرفا ولطفا وفهما وعلما.

[ووردت هذه الحكاية برواية أخرى] قال أبو علي التنوخي: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن البختري الدّاودي، حدّثني أبو الحسن ابن المغلّس الدّاودي، قال: كان محمد بن داود، وابن سريج إذا حضرا مجلس أبي عمر القاضي، لم يجر بين اثنين فيما يتفاوضانه أحسن مما يجري بينهما، فسأل أبا بكر عن العود الموجب لكفّارة الظّهار، فقال: إعادة القول ثانيا، وهو مذهبه، ومذهب أبيه، فطالبه بالدليل، فشرع فيه، فقال ابن سريج: يا أبا بكر هذا قول من من المسلمين [تقدمكم فيه] ؟ فغضب أبو بكر، وقال: أتظنّ أنّ من اعتقدت قولهم إجماعا في هذه المسألة عندي إجماع؟ أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافا [وهيهات أن يكونوا كذلك] . فغضب ابن سريج، وقال: أنت بكتاب «الزّهرة» أمهر منك بهذه الطّريقة، قال: [وبكتاب «الزهرة» تعيرني؟] والله ما تحسن تستتمّ قراءته قراءة من يفهم، وإنه لمن أحد المناقب لي إذ أقول فيه:

أكرّر في روض المحاسن مقلتي

... الأبيات

<<  <  ج: ص:  >  >>