وقال ثعلب: سمعت ابن الأعرابي يقول في كلمة رواها الأصمعي: سمعت من ألف أعرابي خلاف ما قاله الأصمعي.
وقال: شاهدت ابن الأعرابي وكان يحضر مجلسه زهاء مائة إنسان، كل يسأله أو يقرأ عليه ويجيب من غير كتاب. قال: ولزمته بضع عشرة سنة ما رأيت بيده كتابا قط، وما أشك في أنه أملى على الناس ما يحمل على أجمال، ولم ير أحد في علم الشعر واللغة أغزر منه.
وقال محمد بن الفضل الشعراني: كان للناس رؤساء: كان سفيان الثوري رأسا في الحديث، وأبو حنيفة رأسا في القياس، والكسائي رأسا في القرآن، فلم يبق الآن رأس في فن من الفنون أكبر من ابن الأعرابي فإنه رأس في كلام العرب، وكان ممن وسم بالتعليم فكان يأخذ كلّ شهر ألف درهم فينفقها على أهله وإخوانه، وتماسك في آخر أيامه بعد سوء حاله.
ويحكى أنه اجتمع أبو عبد الله الأعرابي وأبو زياد الكلابي على الجسر ببغداد، فسأل أبو زياد ابن الأعرابي عن قول النابغة «١» :
على ظهر مبناة [جديد سيورها]
فقال: النطع، بفتح النون وسكون الطاء، فقال أبو زياد: النطع بكسر النون وفتح الطاء، فقال أبو عبد الله: نعم، وإنما أنكر أبو زياد النطع بفتح النون وسكون الطاء لأنها لم تكن لغته.
ورأى ابن الأعرابي في مجلسه يوما رجلين يتحدثان فقال لأحدهما: من أين أنت؟ فقال: من اسفيجاب وقال: للآخر من أين أنت؟ فقال: من الأندلس، فعجب من ذلك وأنشد:
رفيقان شتّى ألّف الدهر بيننا ... وقد يلتقي الشتّى فيأتلفان
ثم أملى على من حضر مجلسه بقية الأبيات الآتية «٢» :
نزلنا على قيسية يمنية ... لها نسب في الصالحين هجان