قومي بنو مذحج من خير الأمم ... لا يصعدون قدما على قدم
يعني أنهم يتقدمون الناس ولا يطأون على عقب أحد، وهذان فعلا ما لم يفعله أحد. فلقد رأيت أبا سعيد وقد احمرّ وجهه واستحيا من أصحابه، ثم غطّى المجنون رأسه وخرج وهو يقول: يتصدّرون ويغرّون الناس من أنفسهم. فقال أبو سعيد بعد خروجه: اطلبوه فإني أظنه إبليس، فطلبناه فلم نظفر به.
قال الشافعي حدثني أبو جعفر الشرمقاني قال: كان أبو سعيد الضرير مثريا ممسكا لا يكسر رأس رغيف له، إنما يأكل عند من يختلف إليهم، لكنه كان أديب النفس عاقلا، حضر يوما مجلس عبد الله بن طاهر فقدّم إليه طبق عليه قصب السكر، وقد قشر وقطّع كاللقم، فأمره عبد الله بن طاهر أن يتناول منه، فقال أبو سعيد: إن لهذا لفاظة ترتجع من الأفواه وأنا أكره ذلك في مجلس الأمير- أيده الله، فقال عبد الله: تناول فليس بصاحبك من احتشمك واحتشمته، أما إنه لو قسم عقلك على مائة رجل لصار كلّ رجل منهم عاقلا.
وقيل إن هذا الكلام جرى بين الضرير وبين أبي دلف في مجلسه.
وحدث قال حدثني الغضاري قال: كان أبو سعيد الضرير يختار المؤدبين لأولاد قواد عبد الله بن طاهر، ويبيّن مقدار أرزاقهم، ويطوف عليهم، ويتعهد من بين أيديهم من أولئك الصبيان. فاستقبله يوما في ميدان الحسين بعض أولئك المؤدبين فقال له: يا فلان من أين وجهك؟ قال: من شاذياخ، قال: زد فيه ألفا ولاما، فقال: من شاذياخال، فقال أبو سعيد: اللهم غفرا زدهما في أول الحرف ويلك، فقال: ألف لام شاذياخ، فقال: صمّ صداك، كم رزقك؟ قال: سبعين درهما، فقال: يصرف ويبدل به غيره وهو صاغر قميء [١] .
وحدث الحاكم في «كتاب نيسابور» سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت أبي يقول: لما قلّد المأمون عبد الله بن طاهر ولاية خراسان في سنة