للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرأت [١] بخط عبد السلام البصري في كتاب محمد بن أبي الأزهر قال، حدثني وهب بن إبراهيم خال عبيد الله بن سليمان بن وهب قال: كنا يوما بنيسابور في مجلس أبي سعيد المكفوف، وكان أبو سعيد عالما باللغة جدا، إذ هجم علينا مجنون من أهل قمّ، فسقط على جماعة من أهل المجلس، فاضطرب الناس لسقطته، ووثب أبو سعيد لا يشكّ أن آفة قد لحقتنا من سقوط جدار أو شرود بهيمة، فلما رآه المجنون على تلك الحال قال: الحمد لله ربّ العالمين، على رسلك يا شيخ لا ترع، آذاني هؤلاء الصبيان وأخرجوني عن طبعي إلى ما لا أستحسنه من غيري، فقال أبو سعيد:

امنعوا منه عافاكم الله، فوثبنا وشرّدنا من كان [يعبث به] ورجعنا، فسكت ساعة لا يتكلم، إلى أن عدنا إلى ما كنّا فيه من المذاكرة، وابتدأ بعضنا بقراءة قصيدة من شعر نهشل بن حري التميمي حتى بلغ قوله:

غلامان خاضا الموت من كلّ جانب ... فآبا ولم تعقد وراءهما يد

متى يلقيا قرنا فلا بدّ أنه ... سيلقاه مكروه [٢] من الموت أسود

فما استتم هذا البيت حتى قال [المجنون] : قف أيها القارىء، تتجاوز المعنى ولا تسأل عنه؟ ما معنى قوله ولم تعقد وراءهما يد؟ فأمسك من حضر عن القول، فقال: قل يا شيخ فإنك المنظور إليه والمقتدى به، فقال أبو سعيد: يقول إنهما رميا بأنفسهما في الحرب أقصى مراميها ورجعا موفورين لم يؤسرا فتعقد أيديهما كتفا [٣] ، فقال: يا شيخ أترضى لنفسك بهذا الجواب؟ فأنكرنا ذلك على المجنون، فنظر بعضنا إلى بعض، فقال أبو سعيد: هذا الذي عندنا فما عندك؟ فقال: المعنى يا شيخ آبا ولم تعقد يد بمثل فعلهما بعدهما لأنهما فعلا ما لم يفعله أحد، كما قال الشاعر:

قرم [٤] إذا عدّت تميم معا ... ساداتها عدّوه بالخنصر


[١] أورد السيوطي هذه القصة في الأشباه والنظائر ٦: ١٩١- ١٩٣ نقلا عن ياقوت.
[٢] م: مكروب.
[٣] كتفا: ربطا بالكتاف.
[٤] م: قوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>