ودخل على المتوكل «١» في قصره المعروف بالجعفري سنة ست وأربعين ومائتين فقال له: ما تقول في دارنا هذه؟ فقال: إن الناس بنوا الدور في الدنيا وأنت بنيت الدنيا في دارك، فاستحسن كلامه.
ثم قال له: كيف شربك للخمر؟ قال: أعجز عن قليله وافتضح عند كثيره، فقال له: دع هذا عنك ونادمنا، فقال: أنا رجل مكفوف، وكلّ من في مجلسك يخدمك، وأنا محتاج أن أخدم، ولست آمن من أن تنظر إليّ بعين راض وقلبك عليّ غضبان أو بعين غضبان وقلبك راض، ومتى لم أميز بين هذين هلكت، فأختار العافية على التعرض للبلاء، فقال: بلغني عنك بذاء في لسانك، فقال: يا أمير المؤمنين قد مدح الله تعالى وذمّ فقال: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ*
وقال عز وجل: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
(القلم: ١١) . وقال الشاعر:
إذا أنا بالمعروف لم أثن صادقا ... ولم أشتم النكس اللئيم المذمّما
ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه ... وشقّ لي الله المسامع والفما
قال: فمن أين أنت؟ قال: من البصرة، قال: فما تقول فيها؟ قال: ماؤها أجاج، وحرها عذاب، وتطيب في الوقت الذي تطيب فيه جهنم.
قرأت في «تاريخ دمشق» قال: قرأت على زاهر بن طاهر عن أبي بكر البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ، قال سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الأموي يقول:
سمعت إسماعيل بن محمد النحوي يقول: سمعت أبا العيناء يقول: أنا والحافظ وضعنا حديث فدك وأدخلناه على الشيوخ في بغداد فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي قال لا يشبه آخر هذا الحديث أوله، فأبى أن يقبله، وكان أبو العيناء يحدث بهذا بعد ما كان.
وكان جد أبي العيناء الأكبر يلقى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأساء المخاطبة بينه وبينه، فدعا عليه بالعمى له ولولده من بعده، فكلّ من عمي من ولد أبي العيناء فهو صحيح النسب فيهم.