للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال المبرد: إنما صار أبو العيناء أعمى بعد أن نيف على الأربعين، وخرج من البصرة واعتلت عيناه فرمي فيهما بما رمي، والدليل على ذلك قول أبي علي البصير:

قد كنت خفت يد الزما ... ن عليك إذ ذهب البصر

ولم ادر أنّك بالعمى ... تغنى ويفتقر البشر

وقال أحمد بن أبي دواد لأبي العيناء: ما أشدّ ما أصابك في ذهاب بصرك؟

قال: أبدأ بالسلام وكنت أحبّ أن أكون أنا المبتدىء، وأحدّث من لا يقبل على حديثي ولو رأيته لم أقبل عليه، فقال له ابن أبي دواد: أما من بدأك بالسلام فقد كافأته بجميل نيتك له، ومن أعرض عن حديثك انما أكسب نفسه من سوء الأدب أكثر مما نالك من سوء الإعراض.

وقال محمد بن خلف بن المرزبان، قال لي أبو العيناء: أتعرف في شعراء المحدثين رشيدا الرياحي؟ قال: فقلت لا، قال بل هو القائل فيّ:

نسب لابن قاسم ما تراث ... فهو للخير صاحب وقرين

أحول العين والخلائق زين ... لا احولال بها ولا تلوين

ليس للمرء شائنا حول العي ... ن إذا كان فعله لا يشين

فقلت له: وكنت قبل العمى أحول؟ أمن السقم إلى البلى؟ فقال: هنا أظرف خبر تعرج به الملائكة إلى السماء اليوم، وقال: أيما اصلح من السقم إلى البلى أو حال العجوز أصلحها الله من القيادة إلى الزنا.

وحمله بعض الوزراء «١» على دابة فانتظر علفها، فلما أبطأ عليه قال: أيها الوزير هذه الدابة حملتني عليها أو حملتها عليّ؟

وقال له المتوكل «٢» هل رأيت طالبيا حسن الوجه؟ قال: نعم، رأيت ببغداد منذ ثلاثين واحدا، قال: تجده كان مؤاجرا وكنت أنت تقود عليه، فقال: يا أمير المؤمنين أو يبلغ هذا من فراغي؟ أدع مواليّ مع كثرتهم وأقود على الغرباء؟ فقال المتوكل

<<  <  ج: ص:  >  >>