أرجو إيابي إليكم غانما عجلا ... فقد ظفرت بنجم الدين أيوب
موفّق الرأي ماضي العزم مرتفع ... على الأعاجم مجدا والأعاريب
أحبّك الله إذ لازمت نصرته ... على جبين بتاج الملك معصوب
وهي طويلة، فشكره نجم الدين وأحسن إليه وأكرمه وقدّمه على الأعيان وميزه، وعرّف به ابنه صلاح الدين. وكان القاضي كمال الدين ابن الشهرزوري يحضر مجالس العماد ويذاكره بمسائل الخلاف في الفروع، فنوّه القاضي بذكر العماد عند السلطان نور الدين وذكر له تقدمه في العلم والكتابة، وأهّله لكتابة الانشاء، فتردد العماد في الدخول فيما لم يتقدم له اشتغال طويل به مع توفر موادّ هذه الصناعة عنده خوفا من التقصير فيما لم يمارسه، ثم أقدم بعد الاحجام فباشرها وأجاد فيها حتى زاحم القاضي الفاضل بمنكب ضخم. وكان ينشىء الرسائل بالفارسية أيضا فيجيد فيها إجادته بالعربية. وعلت منزلته عند نور الدين وصار صاحب سرّه، وفوّض إليه تدريس المدرسة العمادية كما تقدم، وولاه الإشراف على ديوان الانشاء. ولما توفي نور الدين وولي ابنه الملك الصالح إسماعيل اغراه بالعماد جماعة كانوا يحسدونه ويكرهونه، فخاف على نفسه وخرج من دمشق قاصدا بغداد، فوصل إلى الموصل ومرض بها، ولما أبلّ من مرضه بلغه خروج السلطان صلاح الدين من مصر قاصدا دمشق ليستولي عليها فعزم على الرجوع إلى الشام وخرج من الموصل سنة سبعين وخمسمائة فوصل إلى دمشق وسار منها إلى حلب، وصلاح الدين يومئذ نازل عليها، فلاقاه في حمص وقد استولى على قلعتها، فلزم بابه ومدحه بقصيدة طويلة كان نظمها قبلا في الشوق إلى دمشق والتأسف عليها، فجعل مدح صلاح الدين مخلصها، أولها «١» :
أجيران جيرون ما لي مجير ... سوى عدلكم «٢» فاعدلوا أو فجوروا
وما لي سوى طيفكم زائر ... فلا تمنعوه إذا لم تزوروا