للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها:

وأين تأملت فلك يدور ... وعين تفور ونهر يمور

وأين نظرت نسيم يرقّ ... وزهر يروق وروض نضير

ومنذ ثوى نور دين الالاه ... لم يبق للدين والشام نور

وللناس بالملك الناصر ال ... صلاح صلاح ونصر وخير

هو الشمس أنوارها بالبلاد ... ومطلعها سرجه والسرير

إذا ما سطا أو حبا واحتبى ... فما الليث أو حاتم أو ثبير

بيوسف مصر وأيامه ... تقرّ العيون وتشفى الصدور

وقد أطال نفسه في هذه القصيدة وكلها غرر، وقد اكتفينا بما أوردناه منها.

ثم لزم العماد من ذلك اليوم باب السلطان صلاح الدين ينزل لنزوله ويرحل لرحيله، ولم يزل يغشى مجالسه ملازما لخدمته حتى قرّبه واستكتبه واعتمد عليه، فتصدر وزاحم الوزراء وأعيان الدولة، وعلا قدره وطار صيته. وكان إذا انقطع القاضي الفاضل عن الديوان ناب عنه في النظر عليه، وألقى إليه السلطان مقاليده وركن إليه بأسراره، فتقدم الأعيان وأشير إليه بالبنان؛ وكان بينه وبين القاضي الفاضل مراسلات ومحاورات، فمن ذلك أنه لقي القاضي يوما وهو راكب على فرس فقال له: سر فلا كبا بك الفرس، فقال له الفاضل: دام علا العماد، وكلا القولين يقرأ عكسا وطردا.

واجتمعا يوما في موكب السلطان وقد ثار الغبار لكثرة الفرسان، وتعجب القاضي من ذلك فأنشد العماد:

أما الغبار فانه ... مما أثارته السنا بك

والجوّ منه مظلم ... لكن أنارته السنا بك

يا دهر لي عبد الرحي ... م فلست أخشى مسّ نابك

ولما توفي السلطان صلاح الدين رحمه الله اختلّت أحوال العماد ولزم بيته وأقبل على التصنيف والافادة، حتى توفي يوم الاثنين مستهل رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة.

<<  <  ج: ص:  >  >>