ولد بالبصرة يوم الاثنين غداة عيد الأضحى سنة عشر ومائتين، وأخذ عن أبي عمر الجرمي وأبي عثمان المازني، وقرأ عليهما «كتاب سيبويه» وأخذ عن أبي حاتم السجستاني، وأخذ عنه أبو بكر محمد بن يحيى الصولي ونفطويه وأبو علي الطوماري وغيرهم. وكان إمام العربية ببغداد، وإليه انتهى علمها بعد طبقة الجرمي والمازني، وكان حسن المحاضرة فصيحا بليغا مليح الأخبار ثقة فيما يرويه كثير النوادر فيه ظرافة ولباقة، وكان الإمام إسماعيل القاضي يقول: ما رأى محمد بن يزيد مثل نفسه.
وإنما لقّب بالمبرد «١» لأنه لما صنف المازنيّ «كتاب الألف واللام» سأله عن دقيقه وعويصه فأجابه بأحسن جواب، فقال له المازني: قم فأنت المبرّد- بكسر الراء- أي المثبت للحق، فحرّفه الكوفيون وفتحوا الراء.
وقال السيرافي: سمعت أبا بكر ابن مجاهد يقول: ما رأيت أحسن جوابا من المبرد في معاني القرآن فيما ليس فيه قول لمتقدم، ولقد فاتني منه علم كثير لقضاء ذمام ثعلب.
وقال السيرافي أيضا: سمعت نفطويه يقول: ما رأيت أحفظ للأخبار بغير أسانيد من المبرد وأبي العباس ابن الفرات.
وقال المفجع البصري «٢» : كان المبرد لكثرة حفظه للغة وغريبها يتهم بالوضع فيها، فتواضعنا على مسألة نسأله عنها لا أصل لها لننظر ماذا يجيب، وكنا قبل ذلك تمارينا في عروض بيت الشاعر:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض
فقال البعض: هو من البحر الفلاني، وقال آخرون: هو من البحر الفلاني وتردد على أفواهنا من تقطيعه «ق بعضا، ثم ذهبنا إلى المبرد فقلت له: أيدك الله تعالى، ما القبعض عند العرب؟ فقال: هو القطن، وفي ذلك يقول الشاعر:
كأنّ سنامها حشي القبعضا
قال فقلت لأصحابي: ترون الجواب والشاهد، فإن كان صحيحا فهو عجب،