سألنا عن ثمالة كلّ حيّ ... فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله
فقال لي المبرد خلّ قومي ... فقومي معشر فيهم نذاله
فقلت: أعرفه، هذا عبد الصمد بن المعذل يقولها فيه، فقال: كذب فيما ادعاه، هذا كلام رجل لا نسب له يريد أن يثبت له بهذا الشعر نسبا، فقلت له: أنت أعلم، فقال: يا هذا قد غلبت خفة روحك على قلبي، وقد أخرت ما كان يجب تقديمه، ما الكنية أصلحك الله؟ فقلت: أبو العباس، قال: فما الاسم؟ قلت:
محمد، قال: فالأب، قلت: يزيد، قال: قبحك الله أحوجتني إلى الاعتذار ممّا قدمت ذكره، ثم وثب وبسط يده فصافحني، فرأيت القيد في رجله فأمنت غائلته، فقال: يا أبا العباس صن نفسك من الدخول في هذه المواضع، فليس يتهيأ في كلّ وقت أن تصادف مثلي على مثل حالتي، ثم قال: أنت المبرد، أنت المبرد، وجعل يصفق وانقلبت عيناه واحمرت وتغيرت حالته، فبادرت مسرعا خوف أن تبدر إليّ منه بادرة، وقبلت منه والله نصحه، ولم أعاود بعدها الى تلك المواضع أبدا.
وقال الزجاج: لما قدم المبرد بغداد جئت لأناظره، وكنت أقرأ على أبي العباس ثعلب، فعزمت على إعناته، فلما باحثته ألجمني بالحجة وطالبني بالعلة وألزمني الزامات لم أهتد إليها، فاستيقنت فضله واسترجحت عقله وأخذت في ملازمته.
وكان المبرد يحب الاجتماع بأبي العباس ثعلب للمناظرة وثعلب يكره ذلك، حكى أبو القاسم جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي، وكان صديقهما، قال: قلت لأبي عبد الله الدينوري ختن ثعلب: لم يأبى ثعلب الاجتماع بالمبرد؟ فقال: لأنّ المبرد حسن العبارة حلو الاشارة، فصيح اللسان ظاهر البيان، وثعلب مذهبه مذهب المعلمين، فاذا اجتمعا في محفل حكم للمبرد على الظاهر إلى أن يعرف بالباطن.
وحكي أن بعض الأكابر من بني طاهر سأل أبا العباس ثعلبا أن يكتب له مصحفا على مذهب أهل التحقيق، فكتب والضّحى بالياء، ومذهب الكوفيين أنه إذا كان كلمة من هذا النحو أولها ضمة أو كسرة كتبت بالياء، وإن كانت من ذوات الواو فالبصريون يكتبون بالألف، فنظر المبرد في ذلك المصحف فقال: ينبغي أن يكتب والضّحا بالألف لأنه من ذوات الواو، فجمع ابن طاهر بينهما فقال المبرد لثعلب: لم كتبت