لا تنمّنّ عن صديق حديثا ... واستعذ من تسرّر النّمام
واخفض الصوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام
وحكى أبو الحسن الأسدي قال «١» : حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي عن أبيه قال: أنشدت الفضل بن الربيع أبياتا كان الأصمعي أنشدنيها في صفة فرس وهي:
كأنه في الجلّ وهو سام ... مشتمل جاء من الحمّام
يسور بين السرج واللجام ... سور القطا خفّ «٢» الى اليمام
قال: ودخل الأصمعي فسمعني أنشدها فقال: هات بقيتها، فقلت: ألم تقل إنه لم يبق منها شيء؟ فقال: ما بقي منها إلا عيونها، ثم أنشد بعدها ثلاثين بيتا فغاظني فعله، فلما خرج عرّفت الفضل بن الربيع قلة شكره لعارفة وبخله بما عنده، ووصفت له فضل أبي عبيدة معمر بن المثنى وعلمه ونزاهته وبذله ما عنده واشتماله على جميع علوم العرب، ورغّبته فيه حتى أنفذ إليه مالا جليلا واستقدمه، فكنت سبب مجيئه من البصرة.
قال أبو عبيدة «٣» : أرسل إليّ الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج اليه سنة ثمان وثمانين ومائة فقدمت الى بغداد واستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت عليه وهو في مجلس له طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه، وفي صدره فرش عالية لا يرتقى إليها إلا على كرسي، وهو جالس عليها، فسلمت عليه بالوزارة فردّ وضحك إليّ، واستدناني حتى جلست إليه على فرشه، ثم سألني وألطفني وباسطني وقال: أنشدني فأنشدته، فطرب وضحك وزاد نشاطه، ثم دخل رجل في زي الكتّاب له هيئة فأجلسه الى جانبي وقال له: أتعرف هذا؟ قال: لا، قال: هذا أبو عبيدة علّامة أهل البصرة أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل وقرظه لفعله هذا وقال لي: إني كنت إليه مشتاقا، وقد سألت عن مسألة افتأذن لي أن أعرّفك إياها؟ فقلت: هات، قال قال الله عز وجل: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ