وهم لم يروا الغول قط، ولكنهم لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به، فاستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل، وعزمت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن في مثل هذا وأشباهه وما يحتاج اليه من علمه، فلما رجعت إلى البصرة عملت كتابي الذي سميته «المجاز» وسألت عن الرجل السائل فقيل لي: هو من كتاب الوزير وجلسائه، وهو إبراهيم بن إسماعيل الكاتب.
قال سلمة «١» : سمعت الفراء يقول لرجل: لو حمل إليّ أبو عبيدة لضربته عشرين في «كتاب المجاز» .
وقال التوزي «٢» : بلغ أبا عبيدة أنّ الأصمعي يعيب عليه تأليف «كتاب المجاز في القرآن» وانه قال: يفسر ذلك برأيه، فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هو، فركب حماره في ذلك اليوم، ومرّ بحلقة الأصمعي فنزل عن حماره وسلّم عليه وجلس عنده وحادثه، ثم قال له: يا أبا سعيد ما تقول في الخبز؟ قال: هو الذي تخبزه وتأكله، فقال له أبو عبيدة: فسرت كتاب الله برأيك، قال الله تعالى إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً
(يوسف: ٣٦) قال الأصمعي هذا شيء بان لي فقلته ولم أفسره برأيي، فقال له أبو عبيدة: وهذا الذي تعيبه علينا كله شيء بان لي فقلناه ولم نفسره برأينا، ثم قام فركب حماره وانصرف.
وقال أبو عثمان المازني «٣» : سمعت أبا عبيدة يقول: أدخلت على الرشيد فقال لي: يا معمر بلغني أن عندك كتابا حسنا في صفة الخيل أحبّ أن أسمعه منك، فقال الأصمعي: وما تصنع بالكتاب؟ يحضر فرس ونضع أيدينا على عضو عضو ونسميه ونذكر ما فيه، فقال الرشيد: يا غلام أحضر فرسي، فقام الأصمعي فوضع يده على