للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد استيطان البلاء، أنشدكم الله معاشر الملأ ألم تكن الدماء مسفوكة فحقنها؟

والسبل مخوفة فأمنها؟ والأموال منتهبة فأحرزها وحصنها، ألم تكن البلاد خرابا فعمرها؟ وثغور المسلمين مهتضمة فحماها ونصرها؟ فاذكروا آلاء الله عليكم بخلافته، وتلافيه جمع كلمتكم بعد افتراقها بإمامته، حتى أذهب الله عنكم غيظكم، وشفى صدوركم، وصرتم يدا على عدوكم، بعد أن كان بأسكم بينكم، فأنشدكم الله ألم تكن خلافته قفل الفتنة بعد انطلاقها من عقالها؟ ألم يتلاف صلاح الأمور بنفسه بعد اضطراب أحوالها؟ ولم يكل ذلك إلى القوّاد والأجناد، حتى باشره بالقوة والمهجة والأولاد، واعتزل النسوان، وهجر الأوطان، ورفض الدعة وهي محبوبة، وترك الركون إلى الراحة وهي مطلوبة، بطوية صحيحة، وعزيمة صريحة، وبصيرة نافذة ثاقبة، وريح هابّة غالبة، ونصرة من الله واقعة واجبة، وسلطان قاهر، وجدّ ظاهر، وسيف منصور، تحت عدل مشهور، متحملا للنّصب، مستقلا لما ناله في جانب الله من التعب، حتى لانت الأحوال بعد شدتها، وانكسرت شوكة الفتنة بعد حدّتها، فلم يبق لها غارب إلا جبّه، ولا ظهر لأهلها قرن إلا جذّه، فأصبحتم بنعمة الله إخوانا، وبلمّ أمير المؤمنين لشعثكم على أعدائه أعوانا، حتى تواترت لديكم الفتوحات، وفتح الله عليكم بخلافته أبواب الخيرات والبركات، وصارت وفود الروم وافدة عليه وعليكم، وآمال الأقصين والأدنين مستحرمة «١» إليه وإليكم، يأتون من كلّ فجّ عميق، وبلد سحيق، للأخذ بحبل بينكم وبينه جملة وتفصيلا، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ولن يخلف الله وعده، ولهذا الأمر ما بعده. وتلك أسباب ظاهرة بادية، تدلّ على أمور باطنة خافية، دليلها قائم، وجفنها غير نائم وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

(النور/ ٥٥) وليس في تصديق ما وعد الله ارتياب، ولكلّ نبأ مستقر ولكلّ أجل كتاب. فاحمدوا الله أيها الناس على آلائه، واسألوا المزيد من نعمائه، فقد أصبحتم بين خلافة أمير المؤمنين أيده الله بالسداد، وألهمه التوفيق إلى سبيل الرشاد، أحسن الناس حالا، وأنعمهم بالا، وأعزّهم قرارا، وأمنعهم دارا، وأكثفهم جمعا، وأجملهم صنعا، لا

<<  <  ج: ص:  >  >>