للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تهاجون، ولا تذادون، وأنتم بحمد الله على أعدائكم ظاهرون، فاستعينوا على صلاح أحوالكم بالمناصحة لامامكم، والتزام الطاعة لخليفتكم وابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم، فإن من نزع يدا من الطاعة، وسعى في تفريق الجماعة، ومرق من الدين، فقد خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. وقد علمتم أن في التعلق بعصمتها، والتمسك بعروتها، حفظ الأموال وحقن الدماء، وصلاح الخاصة والدهماء، وأنّ بقيام الطاعة تقام الحدود، وتوفّى العهود، وبها وصلت الأرحام، ووضحت الأحكام، وبها سدّ الله الخلل، وأمّن السبل، ووطّأ الأكناف، ورفع الاختلاف، وبها طاب لكم القرار، واطمأنت بكم الدار، فاعتصموا بما أمركم الله بالاعتصام به فإنه تبارك وتعالى يقول: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ

(النساء/ ٥٩) وقد علمتم ما أحاط بكم في جزيرتكم هذه من ضروب المشركين، وصنوف الملحدين، الساعين في شقّ عصاكم، وتفريق ملأكم، الآخذين في مخاذلة دينكم، وهتك حريمكم، وتوهين دعوة نبيكم، صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع النبيين والمرسلين. أقول قولي هذا وأختم بالحمد لله ربّ العالمين، مستغفرا الله الغفور الرحيم فهو خير الغافرين.

وكان منذر بن سعيد شديدا في دينه لا يأخذه في الله لوم لائم، وكانت له مقامات بين يدي الخليفة الناصر يتناوله فيها بالعظات والزواجر غير هيّاب ولا محتشم؛ من ذلك أن الناصر «١» كان كلفا بعمارة الأرض وتخليد الآثار الدالّة على قوّة الملك وعزّة السلطان وعلوّ الهمة، فأفضى به الافراط في ذلك إلى أن ابتنى الزهراء البناء الشائع ذكره، واستفرغ جهده في إتقان قصورها وزخرفة دورها، حتى ترك شهود الجمعة بالمسجد الجامع ثلاث جمع متواليات، فأراد القاضي منذر تنبيهه بما يتناوله به من الموعظة، وتذكيره بالانابة والرجوع، فابتدأ خطبته في الجمعة الرابعة بقوله تعالى أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ

(الشعراء: ١٢٨) ثم وصله بقوله تعالى قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى

(النساء: ٧٧) وهي دار القرار ومكان الجزاء، ومضى في ذم تشييد البناء وزخرفته، والإسراف في الانفاق عليه، بكلّ كلام جزل،

<<  <  ج: ص:  >  >>