فقال عبد العزيز: أعطوه أعطوه، فقال: أصلحك الله، إني عبد ومثلي لا يأخذ الجوائز، قال: فما شأنك؟ فأخبره بحاله، فدعا الحاجب فقال: اخرج به إلى باب الجامع فأبلغ في قيمته، فدعا المقومين فنادوا عليه من يعطي لعبد أسود جلد؟
قال رجل: هو عليّ بمائة دينار، فقال نصيب: قولوا على أن أبري القسيّ وأريش السهام واحتجر الاوتار، فقال الرجل: هو عليّ بمائتي دينار، قال قولوا على أن أرعى الابل وأمريها وأقضقضها وأصدرها وأوردها وأرعاها وأرعيها، قال رجل: هو عليّ بخمسمائة دينار، قال نصيب: على أني شاعر عربي لا يوطىء ولا يقوي ولا يساند، قال رجل: هو عليّ بألف دينار، فسار به الحاجب إلى عبد العزيز فأخبره بما تم، فقال: ادفعوا إليه ألف دينار فقبضها وافتكّ بها رقبته، ولم يزل في جملة عبد العزيز حتى احتضر، فأوصى به سليمان بن عبد الملك خيرا فصيره في جملة سمّاره.
حكي «١» أن نصيبا دخل على سليمان بن عبد الملك وعنده الفرزدق فقال سليمان للفرزدق: يا أبا فراس أنشدني، وإنما أراد أن ينشده مديحا فيه، فأنشده قوله يفتخر:
وركب كأنّ الريح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب
سروا يركبون الريح وهي تلفّهم ... إلى شعب الأكوار ذات الحقائب
إذا أبصروا نارا يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نار غالب
فتمعّر سليمان واربدّ لما ذكر للفرزدق غالبا وقال لنصيب: قم وأنشد مولاك ويحك، فقام نصيب وأنشده:
أقول لركب صادرين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب
قفوا خبروني عن سليمان إنني ... لمعروفه من أهل ودّان طالب