ينسب إليه من نسب إلى علم الفلسفة، وكلّ من حضر من الفضلاء والأماثل أثنى عليه ونسبه إلى الاستقامة والاستواء، وأنه لم يعثر له مع ما له من المصنفات الجمة على كلمة تدلّ على قدح في عقيدته. ثم لما قضى وطره من العراق وصار في كلّ فنّ من فنون العلم قدوة، وفي كلّ نوع من أنواعه إماما قصد العود إلى بلده، فتوجّه إليها مقبلا على طريق هراة حتى وصل إلى بلخ وانتشر بها علمه. فلما ورد أحمد بن سهل بن هاشم المروزي بلخ واستولى على تخومها، راوده على أن يستوزره فأبى عليه، واختار سلامة الأولى والعقبى، فاتخذ أبا القاسم الكعبيّ وزيرا، وأبا زيد كاتبا. وكان أبو القاسم الوزير وأبو زيد من الكتاب، وعظم محلّهما عنده، وأصبحا بأرفع طرف عنده مرموقين، وبأروى كأس من جنابه مصبوحين ومغبوقين، وكان رزق أبي القاسم في الشهر ألف درهم ورقا، ولأبي زيد خمسمائة درهم ورقا، وكان أبو القاسم يأمر الخازن بزيادة مائة درهم لأبي زيد من رزقه ونقصان مائة درهم من رزق نفسه، فكان يصل إلى أبي زيد ستمائة درهم، وإلى أبي القاسم تسعمائة درهم، وكان يأخذ لنفسه مكسّرة ويأمر لأبي زيد بالوضح الصحاح، فبقوا على ذلك مدة غير طويلة، وعاشوا على جملة جميلة، حتى فتك بهم يد المنون، وهلك أحمد بن سهل عن عمر قصير واستمتاع بامامة غير كبير.
قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن [محمد] الوزيري، وكان لقي أبا زيد وتتلمذ له، قال: كان أبو زيد ضابطا لنفسه ذا وقار وحسن استبصار، قويم اللسان جميل البيان، متثبتا نزر الشعر قليل البديهة، واسع الكلام في الرسائل والتأليفات، إذا أخذ في الكلام أمطر اللآلىء المنثورة، وكان قليل المناظرة حسن العبارة، وكان يتنزه عما يقال في القرآن إلا الظاهر المستفيض من التفسير والتأويل والمشكل من الأقاويل، وحسبك ما ألفه من كتاب «نظم القرآن» الذي لا يفوقه في هذا الباب تأليف.
قرأت في «كتاب البصائر» لأبي حيان الفارسي [١] من ساكني بغداد قال، قال أبو حامد القاضي: لم أر كتابا في القرآن مثل كتاب لأبي زيد البلخي، وكان فاضلا