المنذري سمعه يذكر هذين العامين في ترجيح سنة مولده «١» . ومن الطبيعي ما دامت نسبة الرومي قد لصقت به أن يقول إنّه ولد ببلاد الروم، ولكن أي روم وأي بلد، فذلك ما لا يعرفه ياقوت نفسه.
ويقف في وجه هذا التاريخ التقديري (لميلاده) - ولو على شكل مؤقت- ثلاثة أمور:
الأول: قول على لسان ياقوت نفسه مفاده أنه لقي الخضر بن ثروان التومائي الضرير بمرو وسرخس ونيسابور في سنة أربع وأربعين وخمسمائة وجاء هذا التاريخ في معجم الأدباء ومعجم البلدان على السواء «٢» ، وهذا قبل مولد ياقوت بثلاثين عاما، إذا اعتمدنا التاريخ الذي ذكره.
الثاني: قوله في ترجمة التومائي نفسه «وبلغتنا وفاته ببخارى سنة ثمانين وخمسمائة» ، وهذا يعني أن التومائي توفي وعمر ياقوت خمس سنوات أو أكثر قليلا، وأن ياقوتا كان قادرا على التجوال وأن تجواله حمله إلى بخارى، وعلى هذا لا بدّ أن نقدر وجود خطأ في التاريخين، وبعد البحث تبين لي أن هذا القول الذي جرت نسبته إلى ياقوت إنما ينقله ياقوت عن أبي سعد السمعاني «٣» ، وقد سقط صدر الاقتباس:
«قال أبو سعد» ومن الغريب أن يسقط في المعجمين كليهما.
الثالث: أنه لقي المجفجف الشاعر بحلب سنة ٥٨٠، وهذا أيضا من قبيل الخطأ السابق، فإنه لم يكن في عمر يسمح له بذلك، ولم يعرف حلب إلا سنة ٦٠٧ وما بعدها، ولكني لم أستطع أن أعرف الناقل الأصلي لهذا الخبر.
إذن تظلّ إحدى السنتين اللتين ذكرهما ياقوت هي الأقرب إلى الواقع في تحديد مولده، وممّا يؤيد هذا الذي قدّره ياقوت أن أبا طالب الكرخي توفي سنة ٥٨٥، ويذكر ياقوت أنه أدرك زمانه ولكنه لم يره لصغر السن يومئذ، ولأنه كان في ذلك الزمان يشتغل بغير العلم «٤» .