للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفس، فقال: هؤلاء الذين أخذوا القثاء؟ فقال الناطور: نعم، فقيدهم في الحال وأمر بحبسهم، فلما كان من الغد أنفذهم إلى القراح وضرب أعناقهم فيه وسار، فأنكر الناس ذلك وتحدّثوا به ونخبت قلوبهم منه، ومضت على ذلك مدة طويلة، فجلست أحادثه ليلة فقال لي: يا عبد الله هل يعتب الناس عليّ شيئا عرّفني حتى أزيله، فقلت: كلّا يا أمير المؤمنين، فقال: أقسمت عليك بحياتي إلّا صدقتني، قلت: يا أمير المؤمنين وأنا آمن؟ قال: نعم، قلت: إسراعك إلى سفك الدماء، فقال: والله ما هرقت دما قطّ منذ وليت هذا الأمر إلا بحقه، قال: فأمسكت إمساك من ينكر [١] عليه الكلام، فقال: بحياتي لما قلت، فقلت: يقولون إنك قتلت أحمد بن الطيب، وكان خادمك، ولم تكن له جناية ظاهرة، فقال: ويحك إنه دعاني إلى الإلحاد فقلت له: يا هذا أنا ابن عمّ صاحب هذه الشريعة، وأنا الآن منتصب منصبه، فألحد حتى أكون من؟ وكان قد قال لي: إن الخلفاء لا تغضب، وإذا غضبت لم ترض، فلم يصحّ إطلاقه. فسكتّ سكوت من يريد الكلام، فقال: في وجهك كلام، فقلت:

الناس ينقمون عليك أمر الثلاثة الأنفس الذين قتلتهم في قراح القثّاء، فقال: والله ما كان أولئك المقتولون [٢] هم الذين أخذوا القثاء، وإنما كانوا لصوصا حملوا من موضع كذا وكذا، ووافق ذلك أمر أصحاب القثّاء، فأردت أن أهوّل على الجيش بأنّ من عاث من عسكري وأفسد بهذا القدر كانت هذه عقوبتي له ليكفّوا عما فوقه، ولو أردت قتلهم لقتلتهم في الحال والوقت، وإنما حبستهم وأمرت باخراج اللصوص من غد مغطين الوجوه ليقال إنهم أصحاب القثاء، فقلت: فكيف تعلم العامّة؟ قال: باخراجي القوم الذين أخذوا القثاء أحياء، وإطلاقي لهم في هذه الساعة، ثم قال: هاتم القوم، فجاءوا بهم وقد تغيّرت حالهم، فقال لهم: ما قصتكم؟ فاقتصّوا عليه قصة القثّاء فاستتابهم عن فعل مثل ذلك وأطلقهم فانتشرت الحكاية فزالت التهمة [٣] .

وقيل إن السبب في قتل أحمد بن الطيب دعاؤه للمعتضد إلى مذهب الفلاسفة


[١] النشوار: يتبين.
[٢] ر: المقتولين.
[٣] بعد هذا الموضع إلى آخر الترجمة زيادة من المختصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>