إذن فقد دخل ياقوت حلب (سنة ٦٠٧) وتعرّف- لأول مرة- إلى القاضي الأكرم علي بن يوسف القفطي، وزير صاحب حلب، يحفزه إلى لقائه حب الوزير للكتب واقتنائها وشيوع ذلك عنه بين الناس. غير أن القفطي يذكر أن أول اجتماع له بياقوت إنما تمّ سنة ٦٠٩ وأن الذي أحضره إلى مجلسه أبو علي الحسن بن محمد القيلوي، واطلع الوزير على ما جلبه ياقوت من كتب، وكانت قليلة العدد، فاشترى منها كتابين «١» ، ويمكننا أن نردّ هذا الاختلاف في تاريخ اللقاء إلى التصحيف الكثير بين (سبع) و (تسع) في المصادر، ولهذا فإن أحد التاريخين خطأ. والترجيح في مثل هذا الموقف غير ممكن. ولكن أحد التاريخين كان، ولا بدّ، بداية صلة استمرت حتى وفاة ياقوت. ولعلّ ياقوتا في هذه الزيارة نفسها لقي عددا من الأدباء الذين يترددون إلى مجلس القاضي الأكرم، ومنهم سليمان بن بنين، اجتمع به في عدة مجالس هنالك وأجازه برواية مصنفاته «٢» .
ويعود القفطي فيذكر أن ثاني اجتماع له بياقوت إنما تمّ سنة ٦١٣»
؛ ولكن ياقوتا يذكر أنه عاد إلى حلب سنة ٦١١ (ويعود فرق السنتين إلى الظهور) ، وياقوت في هذه المرة أدقّ، إذ زيارته مرتبطة بذكريات يقينية، وخط سيره أوضح، وهو أدرى به من القفطي، ففي عام ٦١١ زار القاضي الأكرم في منزله، ودار الحديث بينهما عن الجوهري صاحب الصحاح وعن جودة تأليفه، وكان يشغل خاطريهما وهما يتجاذبان أطراف الحديث عدم الاهتداء إلى العام الذي ولد فيه الجوهري والعام الذي توفي فيه، بعد البحث الطويل. وقد سأل ياقوت عن هذين التاريخين الوافدين من نيسابور فلم يجد أحدا ينبئه بذلك، وافترق الرجلان، وعاد ياقوت في اليوم التالي إلى منزل القفطي فأخبره هذا أنه رأى في المنام من يقول له: مات إسماعيل الجوهري سنة ٣٨٦، ثم عثر ياقوت على نسخة من ديوان الأدب بخط الجوهري مكتوبة سنة ٣٨٣ ونسخة من الصحاح كتبها الجوهري نفسه سنة ٣٩٦، وهكذا وجدا في حالي المنام واليقظة تاريخا مقاربا لسنة وفاة الجوهري «٤» .