وليس في مؤلفات ياقوت ما يدلّ على انحراف عن عليّ وقد ترجم له في معجم الأدباء لأنه يعده واضح النحو أو الموحي به إلى أبي الأسود الدؤلي.
ومع أن ياقوتا عرف دمشق قبل هذه المرة وبعدها، وقضى فيها أوقاتا كثيرة، فإن حديثه عنها في معجم البلدان ينتمي في معظمه إلى الأخبار المنقولة من المصادر، وقلما نجد هنالك اعتمادا على المشاهدة، وقد لفت انتباهه في دمشق كثرة المياه، فقلّ أن تمر بحائط إلا والماء يخرج منه في أنبوب إلى حوض يشرب منه ويستقي الوارد والصادر، «وما رأيت بها مسجدا ولا مدرسة ولا خانقاها إلا والماء يجري في بركة في صحن هذا المكان ... » كذلك لفت انتباهه أن المساكن بها عزيزة لكثرة أهلها والساكنين بها وضيق بقعتها، وهو يحدثنا أن بها ربضا دون السور يحيط بأكثر البلد ويكون في مقدار البلد نفسه، تلك هي انطباعاته الذاتية عن دمشق، فأما سائر الحديث عنها وعن جامعها فهو مستمد من المصادر في أكثره «١» .
وفي زياراته الكثيرة للمدينة تعرّف إلى عدد من علمائها. تعرّف إلى فتيان الشاغوري وكان له حلقة بجامع دمشق يقرىء فيها النحو، وقد كان حين رآه شيخا بلغ التسعين أو جاوزها «٢» وعرف فخر الدين ابن الساعاتي الطبيب الموسيقار صاحب الخط المنسوب الجيد، وحضر مجالسه غير مرة «٣» .
أما مجلس شيخه أبي اليمن تاج الدين الكندي في دمشق فكان آثر المجالس إلى نفسه، وكانت قوة ذاكرة ذلك الشيخ محط إعجابه فهو يصف حفظه بقوله:«وفي كثرة ما صحبته، وحضرت مجلسه ما رأيت القارىء قرأ عليه كتابا من مروياته، وعلى الخصوص الأدبية واللغوية والنحوية ونحوها إلا وهو يسابق القارىء إلى ما يقرأه»«٤» .
وقد عرف ياقوت مكانة العلم في شخص هذا الشيخ إذ كان يرى الملك المعظم عيسى، وهو يومئذ صاحب الشام، يقصد منزل الشيخ تاج الدين راجلا ليقرأ عليه النحو، ولا يكلفه مشقة الذهاب إليه. ورأى على باب شيخه من المماليك الأتراك ما