ولا بد أن نتذكر أن الرسالة كتبت في حال الخوف من الضياع والحاجة الماسة إلى معين، ولهذا تبدأ بأدعية مطوّلة للمخاطب بها، وإظهار أقصى درجات الولاء، وشرح الإخفاق الذي انتهت إليه الغربة، ولزوم حرفة الأدب لغير المحظوظين الذين يعبس الحظ في وجوههم، ووصف الخراب الذي أصاب خراسان بعد أن كانت مونقة الأرجاء، راثقة الأنحاء، وتصوير حال التغير الذي أصاب الفرد والجماعة، ولهذا كانت نغمتها عاطفية مأساوية يتراوح فيها النفس الحزين بين نثر يسيطر عليه السجع وشعر يغمره الأسى والحنين، وهي بعد لا تدل على كلّ أحوال الرجل، ولكنها تصوّر لحظات انحدار في العمران والعمر على السواء، ولهذا أثارت تعاطفا لدى من اطلع عليها، ودلّت على أن ياقوتا قد أحرز مع الزمن أسلوبا مؤثرا في ظروف معينة.
وقد كان ياقوت مولعا بالشعر، يدلّ على ذلك حرصه على أن لا تخلو ترجمة من تراجم كتابه (معجم الأدباء) من شعر. ولو لم يشتهر به من يترجم له مثل أبي البقاء العكبري وأبي على الفارسي وتاج الدين الكندي وغيرهم ممن بضاعته في الشعر نادرة أو مزجاة، ولم يطل العهد بياقوت حتى أصبح الشعر إحدى المهارات التي يمارسها، وقد جمعت له تسعا وعشرين قطعة تضم ما أورده في معجم الأدباء ومعجم البلدان وما أنشده المستوفي بإربل ورواه عنه ابن الشعار (سنة ٦٢٥) ثم ما أنشد ياقوت صديقه ابن النجار، ورواه ابن الشعار أيضا (سنة ٦٣٩) ، ولم يذكر واحد أنه رأى له ديوانا مجموعا، وأغلب الظن أنه لم يجمع شعره، يقول صاحب تاريخ إربل:«وسألته أن يملي عليّ من شعره فامتنع بعض الامتناع وغضّ من نظمه» »
ويقول ابن الشعار:
«واقتضيته شيئا من شعره. فأجاب إلى ذلك وجعل يماطلني ويعدني هكذا مدة من الزمن، ثم سافر إلى بلاد الشام فما عدت رأيته»«٢» ، إذ يبدو أنه لم يكن شديد الاعتداد بنفسه في الشعر، وكان يحيطه بنظرة متواضعة، يقول في معرض إعجابه بكتابه معجم الأدباء:«حتى قلت فيه مع اعترافي بقلة بضاعتي في الشعر وعلمي بركاكة نظمي والنثر»«٣» .