ومعظم المقطعات تنتمي إلى الغزل، ولكن أبعدها تأثيرا هي تلك التي تتحدث عن رجل «مقطوع من شجرة» - كما نقول في العامية- في مثل قوله «١» :
ولا لي أهل في بلاد ومعشر ... يعدون أيامي لوقت إيابي
وإن سرت من دار فما من مشيع ... ولا ملتق إن جئتها بركابي
ولا سكن اعتده لملمة ... ولا أحد يرجى لدفع مصاب
ويأتي بعد هذا الإحساس التحدث عن تنكر الدهر، وضياع الشباب وحلول المشيب، والحنين إلى العراق وهو بمرو، والحنين إلى مرو وهو في بغداد أو حلب، وعمق الشعور بقيمة الصداقة والأخوة، والتخوف من تقلب الحال بالأصدقاء وإخلافهم للوعود، لقد أتقن ياقوت القول في جوانب مختلفة من علاقات «الحب» ، فجاء شعره سهلا سائغا، وقد يتجه لطلب معان جديدة، ولكنه في معظم الأحوال رقراق يمسّ الأمور برفق، ويبتعد عن دائرة التعمق.
وكما حصّل ياقوت الحد الأدنى من القدر الذي يتوقع من «مثقف» في عصره في مجال الشعر والنثر، فإنه استطاع بالممارسة والمطالعة والمحاورة أن يربّي لنفسه ذوقا نقديا يسعفه في حكمه على ما يقرأه لغيره من شعر ومع أنه ينقل شعرا متفوقا وآخر متخلفا فإنه قويّ التمييز بين الجيد والرديء من القول. وقد عرضت له تجارب ولّدت لديه أحكاما نقدية لا يتابع فيها رأي الأكثرية فمثلا نظم أبياتا يقول فيها ما معناه إن الوعد إذا مطل أو أخلف صار وعيدا (القطعة رقم: ٥) ثم وجد أبياتا لجعفر بن محمد بن حمدان الموصلي يقول فيها:
عجل النجح فإن المطل بالوعد وعيد
فعلّق على ذلك بقوله: هذا معنى عنّ لي من قبل أن أقف على هذه الأبيات (أبيات الموصلي) وكنت أعجب كيف فات الأوائل اشتماله على مطابقة التجنيس وحسن المعنى مدة، حتى وقفت على ما هاهنا فعلمت أن أكثر ما ينسب إلى الشعراء من السرقات إنما هو توارد خواطر ووقوع حافر على حافر «٢» .