وإذا أتتك مذمّتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأنّي كامل
ولما رجع إلى المعرة لزم بيته فلم يخرج منه، وسمّى نفسه رهين المحبسين- يعني حبس نفسه في المنزل وترك الخروج منه وحبسه عن النظر إلى الدنيا بالعمى-.
وكان متهما في دينه يرى رأي البراهمة لا يرى إفساد الصورة، ولا يأكل لحما، ولا يؤمن بالرسل والبعث والنشور، وعاش شيئا وثمانين سنة لم يأكل اللحم منها خمسا وأربعين سنة. وحدّثت أنه مرض مرة فوصف الطبيب له الفرّوج، فلما جيء به لمسه بيده وقال: استضعفوك فوصفوك، هلّا وصفوا شبل الأسد؟! وقيل إنه قال: ما أريد إصلاح نفسي بإفساد هذا، ولم يتناوله. وقد أوردنا من شعره ما يستدلّ به على سوء معتقده، ويخبرك بنحلته ومستنده.
وحدث غرس النعمة أبو الحسن الصابي أنه بقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ويحرّم إيلام الحيوان، ويقتصر على ما تنبت الأرض، ويلبس خشن الثياب، ويظهر دوام الصوم. قال: ولقيه رجل فقال له: لم لا تأكل اللحم؟ قال:
ارحم الحيوان، قال: فما تقول في السباع التي لا طعام لها إلا لحوم الحيوان، فإن كان لذلك خالق فما أنت بأرأف منه، وإن كانت الطبائع المحدثة لذلك فما أنت بأحذق منها ولا أتقن علما، فسكت.
قال ابن الجوزي: وقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة، وأما ما قد ذبحه غيره فأيّ رحمة بقيت؟.
قال: وقد حدّثنا عن أبي زكرياء أنه قال، قال لي المعري: ما الذي تعتقد؟
فقلت في نفسي: اليوم أقف على اعتقاده، فقلت له: ما أنا إلا شاكّ، فقال: وهكذا شيخك.
قال القاضي أبو يوسف عبد السلام القزويني [١] ، قال لي المعري: لم أهج أحدا قط، فقلت له: صدقت إلّا الأنبياء عليهم السلام، فتغير وجهه.
وحدّث أبو زكرياء قال: لما مات أبو العلاء أنشد على قبره بعد موته أربعة
[١] هو عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار القزويني المعتزلي، كانت وفاته سنة ٤٨٨.