للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدي أبي العلاء يقرأ عليه شيئا من تصانيفه، قال: وكنت قد أقمت عنده سنين، ولم أر أحدا من أهل بلدي، فدخل المسجد مغافصة [١] بعض جيراننا للصلاة، فرأيته وعرفته فتغيرت من الفرج، فقال لي أبو العلاء: أيش أصابك؟ فحكيت له أني رأيت جارا لي بعد أن لم ألق أحدا من أهل بلدي سنتين، فقال لي: قم وكلّمه، فقلت حتى أتمم السّبق [٢] ، فقال: قم أنا أنتظر لك، فقمت وكلمته بلسان الأذربية شيئا كثيرا إلى أن سألت عن كلّ ما أردت، فلما رجعت وقعدت بين يديه قال لي: أيّ لسان هذا؟

قلت: هذا لسان أهل أذربيجان، فقال لي: ما عرفت اللسان ولا فهمته، غير أني حفظت ما قلتما، ثم أعاد عليّ اللفظ بعينه من غير أن ينقص عنه أو يزيد عليه جميع ما قلت وقال جاري، فتعجبت غاية التعجّب كيف حفظ ما لم يفهمه. قال المؤلف:

وهذا غاية ليس بعدها شيء في حسن الحفظ.

وقال المؤلف: وأنا كثير الاستحسان لقول أبي العلاء [٣] :

أسالت أبيّ الدمع فوق أسيل ... ومالت لظلّ بالعراق ظليل

أيا جارة البيت الممّنع أهله [٥] ... غدوت ومن لي عندكم بمقيل

لغيري زكاة من جمال فإن تكن ... زكاة جمال فاذكري ابن سبيل

وأرسلت طيفا خان لما بعثته ... فلا تثقي من بعده برسول

خيالا [٦] أرانا نفسه متجنبا ... وقد زار من صافي الوداد وصول

نسيت مكان العقد من دهش النوى ... فعلّقته من وجنة بمسيل

وكنت لأجل السنّ شمس غديّة ... ولكنّها للبين شمس أصيل

أسرت أخانا بالخداع وانه ... يعدّ إذا اشتدّ الوغى بقبيل


[١] في الأنساب: فدخل معنا صفّة المسجد.
[٢] السبق: الدرس (وقيل هي فارسية) .
[٣] سقط الزند ٣: ١٠٤٠.
[٤] السقط: أتي.
[٥] السقط: جاره.
[٦] السقط: خيال.

<<  <  ج: ص:  >  >>